الدنيا ، وقال الضحاك : البرزخ ما بين الموت إلى البعث ، وقيل : هو الموت ، وقيل : هو القبر هم فيه (إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) وهو يوم القيامة ، وفي هذا إقناط كليّ من الرجوع إلى الدنيا لما علم أنه لا رجعة يوم البعث إلى الدنيا ، وإنما الرجوع فيه إلى حياة تكون في الآخرة.
(فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ) أي : القرن ، روى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنها النفخة الأولى ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض (فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ) ثم نفخ فيه أخرى ، فإذا هم قيام ينظرون ، وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون ، وعن ابن مسعود أنها النفخة الثانية قال : يؤخذ بيد العبد والأمة يوم القيامة فينصب على رؤوس الأولين والآخرين ، ثم ينادي مناد هذا فلان بن فلان ، فمن كان له قبله حق فليأت إلى حقه فيفرح المرء أن يكون له حق على والده أو ولده أو زوجته أو أخيه ، فيأخذه منهم ، ثم قرأ ابن مسعود فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ، وفي رواية عطاء عن ابن عباس أنها النفخة الثانية فلا أنساب بينهم أي : لا يتفاخرون بالأنساب يومئذ كما كانوا يتفاخرون بها في الدنيا ولا يتساءلون سؤال تواصل كما كانوا يتساءلون في الدنيا من أنت ومن أي قبيل أنت ، ولم يرد أن الإنسان ينقطع نسبه ، فإن قيل : قد قال تعالى هنا : ولا يتساءلون ، وقال تعالى في موضع آخر : (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) [الصافات ، ٢٧]؟ أجيب : بأن ابن عباس قال : إن للقيامة أحوالا ومواطن ففي موطن يشتد عليهم الخوف فيشغلهم عظم الأمر عن التساؤل ، فلا يتساءلون ، في موطن يفيقون إفاقة فيتساءلون ، وقيل : التساؤل بعد دخول أهل الجنة الجنة وأهل النار النار.
(فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ) أي : بالأعمال المقبولة ، قال البقاعي : ولعل الجمع لأن لكل عمل ميزانا يعرف أنه لا يصلح له غيره ، وذلك أدل دليل على القدرة (فَأُولئِكَ) أي : خاصة قال أيضا : ولعله جمع للبشارة بكثرة الناجي بعد أن أفرد للدلالة على كثرة الأعمال أو على عموم الوزن لكل فرد (هُمُ الْمُفْلِحُونَ) أي : الفائزون بالنجاة والدرجات العلى.
(وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ) لإعراضه عن تلك الأعمال المؤسسة على الإيمان (فَأُولئِكَ) خاصة (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) لإهلاكهم إياها باتباعها شهواتها في دار الأعمال وشغلها بأهوائها عن مراتب الكمال وقوله تعالى : (فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ) بدل من الصلة ، أو خبر ثان لأولئك ، وهي دار لا ينفك أسيرها ولا ينطفىء سعيرها.
ثم استأنف قوله تعالى : (تَلْفَحُ) أي : تغشى بشدّة حرّها وسمومها ووهجها (وُجُوهَهُمُ النَّارُ) فتحرقها ، فما ظنك بغيرها ، واللفح كالنفح إلا أنه أشد تأثيرا (وَهُمْ فِيها كالِحُونَ) أي : عابسون قد شمرت شفاههم العليا والسفلى عن أسنانهم ، وعن أبي سعيد الخدري عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «تشويه النار فتقلص شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه وتسترخي شفته السفلى حتى تضرب سرته» (١).
وقوله تعالى : (أَلَمْ تَكُنْ آياتِي) أي : من القرآن على إضمار القول أي : يقال لهم : ألم تكن آياتي (تُتْلى عَلَيْكُمْ) أي : تتابع لكم قراءتها في الدنيا شيئا فشيئا (فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ.)
ثم استأنف جوابه بقوله تعالى :
__________________
(١) أخرجه الترمذي في صفة جهنم حديث ٢٥٨٧.