كثير وحفص ، والباقون بالإدغام (حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي) أي : بأن تذكروني فتخافوني ، وأضاف ذلك إليهم لأنهم كانوا السبب فيه لفرط اشتغالهم بالاستهزاء بهم (وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ) استهزاء بهم نزلت في كفار قريش كانوا يستهزئون بالفقراء من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم مثل بلال وعمار وصهيب وخباب.
ولما تشوّقت النفس بعد العلم بما فعل بأعدائهم إلى جزائهم قال الله تعالى : (إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ) أي : بالنعيم المقيم (بِما صَبَرُوا) أي : على عبادتي ولم يشغلهم عنها تألمهم بأذاكم ، كما يشغلكم عنها التذاذكم بإهانتهم ففازوا دونكم وهو معنى قوله تعالى : (أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ) أي : بمطلوبهم الناجون من عذاب النار ، وقرأه حمزة والكسائي بكسر الهمزة على الاستئناف والباقون بفتحها على أنها مفعول ثان لجزيتهم.
ثم إن الله تعالى : (قالَ) لهم على لسان الملك المأمور بسؤالهم تبكيتا وتوبيخا لأنهم كانوا يظنون أن بعد الموت يدوم الفناء ولا إعادة ، فلما حصلوا في النار وأيقنوا أنها دائمة ، وأنهم فيها مخلدون سألهم (كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ) على تلك الحال في الدنيا التي كنتم تعدونها فوزا (عَدَدَ سِنِينَ) أنتم فيها ظافرون ولأعدائكم قاهرون ، وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي : قل كم ، بضم القاف وسكون اللام على الأمر للملك أو لبعض رؤساء أهل النار ، والباقون بفتح القاف واللام وألف بينهما خبرا وتقدم توجيهه وأظهر الثاء المثلثة عند التاء المثناة فوق نافع وابن كثير وعاصم وأدغمها فيها الباقون.
(قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) يشكون في ذلك. فإن قيل : كيف يصح في جوابهم أن يقولوا ذلك ، ولا يقع من أهل النار الكذب؟ أجيب : بأنهم نسوا ذلك لكثرة ما هم فيه من الأهوال ، وقد اعترفوا بهذا النسيان حيث قالوا : (فَسْئَلِ الْعادِّينَ) أي : الملائكة المحصين أعمال الخلق وأعمارهم ؛ قال ابن عباس : أنساهم ما كانوا فيه من العذاب بين النفختين ، وقيل : قالوا ذلك تصغيرا للبثهم وتحقيرا له بالإضافة إلى ما وقعوا فيه من دوام العذاب قال بعضهم (١) :
ألا أن أيام الشقاء طويلة |
|
كما أن أيام السرور قصار |
وقرأ ابن كثير والكسائي بفتح السين وترك الهمز بعدها وكذا يفعل حمزة في الوقف والباقون بسكون السين وهمزة مفتوحة بعدها ثم : (قالَ) الله تعالى لهم على لسان الملك : (إِنْ) أي : ما (لَبِثْتُمْ) أي : في الدنيا (إِلَّا قَلِيلاً ،) لأن الواحد وإن طال مكثه في الدنيا فإنه يكون قليلا في جنب ما يلبث في الآخرة (لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أي : في عداد من يعلم في ذلك الوقت لما آثرتم الفاني على الباقي ولأقبلتم على ما ينفعكم ولتركتم أفعالكم التي لا يرضاها عاقل ، ولكنكم كنتم في عداد البهائم ، وقرأ حمزة والكسائي : قل ؛ أمرا ، والباقون : قال ؛ خبرا ، ولبثتم تقدم مثله ، وتوجيه قال وقل.
ثم وبخهم الله تعالى على تغافلهم بقوله تعالى : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ) على ما لنا من العظمة ، وقوله تعالى : (عَبَثاً) حال أي : عابثين كقوله : لاعبين ، أو مفعول له أي : ما خلقناكم
__________________
(١) البيت من الكامل ، وهو بلا نسبة في تاج العروس (قرب) ، وفيه برواية :
وأطلّت أيام السرور فلم يصب |
|
من قال : أيام السرور قصار |