أي : الطيبون والطيبات من النساء ، ومنهم صفوان وعائشة (مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ) أي : الخبيثون والخبيثات من النساء ، وقيل : عائشة وصفوان ذكرهما بلفظ الجمع كقوله تعالى : (فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ) [النساء ، ١١] أي : إخوان (لَهُمْ) أي : الطيبين والطيبات من النساء على الأول ، ولصفوان وعائشة على الثاني (مَغْفِرَةٌ) أي : عفو عن الذنوب (وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) هو الجنة ، وروي أنّ عائشة رضي الله تعالى عنها كانت تفتخر بأشياء أعطيتها لم تعطها امرأة غيرها منها أن جبريل أتى بصورتها في سرقة من حرير وقال للنبي صلىاللهعليهوسلم : هذه زوجتك ، وروي أنه أتى بصورتها في راحته ، ومنها أنه صلىاللهعليهوسلم لم يتزوج بكرا غيرها ، ومنها أنه قبض صلىاللهعليهوسلم ورأسه الشريف في حجرها ، ومنها أنه دفن في بيتها ، ومنها أنه كان ينزل عليه الوحي وهو معها في لحاف ، ومنها أن براءتها نزلت من السماء ، ومنها أنها ابنة خليفة رسول الله صلىاللهعليهوسلم وصديقه ، وخلقت طيبة ، ووعدت بمغفرة ورزق كريم ، وكان مسروق رحمهالله تعالى إذا روى عن عائشة رضي الله تعالى عنها قال : حدثتني الصديقة بنت الصديق حبيبة رسول الله صلىاللهعليهوسلم المبرّأة من السماء.
الحكم السادس : ما ذكره بقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ) أي : التي تسكنونها ، فإن المؤجر والمعير لا يدخلان إلا بإذن ، وقرأ ورش وأبو عمر وحفص بضم الباء الموحدة ، والباقون بكسرها ، وفي قوله تعالى : (حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا) وجهان : أحدهما : أنه من الاستئناس الظاهر الذي هو خلاف الاستيحاش ؛ لأن الذي يطرق باب غيره لا يدري أيؤذن له أم لا فهو كالمستوحش من خفاء الحال عليه ، فإذا أذن له فقد استأنس ، والمعنى حتى يؤذن لكم كقوله تعالى : (لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ) [الأحزاب ، ٥٣] ، وهذا من باب الكناية والإرداف ؛ لأن هذا النوع من الاستئناس يردف الإذن ، فوضع موضع الإذن ، والثاني : أن يكون من الاستئناس بمعنى الاستعلام والاستكشاف استفعال من أنس الشيء إذا أبصره ظاهرا مكشوفا ، والمعنى تستعلموا وتستكشفوا الحال هل يراد دخولكم أم لا ، ومنه قولهم : استأنس هل ترى أحدا ، واستأنست فلم أر أحدا أي : تعرفت واستعلمت ، وقال الخليل بن أحمد : الاستئناس : الاستبصار ، من قولهم : آنست نارا ؛ أي : أبصرت ، وقيل : هو أن يتكلم بالتسبيحة والتكبيرة والتحميدة ويتنحنح يؤذن أهل البيت ، وعن أبي أيوب الأنصاري قال : يا رسول الله : ما الاستئناس؟ قال : «أن يتكلم الرجل» (١)(وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها) كأن يقول الواحد : السّلام عليكم أأدخل ثلاث مرات ، فإن أذن له دخل ، وإلا رجع. قال قتادة : المرة الأولى للتسميع ، والثانية : ليتهيأ ، والثالثة : إن شاء أذن ، وإن شاء رد ، وهذا من محاسن الآداب ، فإن أول مرة ربما منعهم بعض الاشتغال من الإذن ، وفي الثانية ربما كان هناك مانع يقتضي المنع ، فإن لم يجب في الثالثة يستدل بعدم الإذن على مانع ، ولهذا كان الأولى في الاستئذان ثلاثا أن لا تكون متصلة ، بل يكون بين كل واحدة والأخرى وقت ما.
ولا بد من إذن صريح إذا كان الداخل أجنبيا أو قريبا غير محرم سواء كان الباب مغلقا أم لا ، وإن كان محرما فإن كان ساكنا مع صاحبه فيه لم يلزمه الاستئذان ، ولكن عليه أن يشعره بدخوله بتنحنح أو شدة وطء أو نحو ذلك ليستتر العريان فإن لم يكن ساكنا فإن كان البا مغلقا لم يدخل
__________________
(١) أخرجه ابن ماجه في الأدب حديث ٣٧٠٧.