إلا بإذن ، وإن كان مفتوحا فوجهان ، والأوجه الاستئذان ، وعن أبي موسى الأشعري أنه أتى باب عمر ، فقال : السّلام عليكم أأدخل؟ قالها ثلاثا ، ثم رجع وقال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «الاستئذان ثلاثا» (١) ، و «استأذن رجل على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : ألج ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لامرأة يقال لها روضة : قومي إلى هذا فعلميه فإنه لا يحسن أن يستأذن ، قولي له يقول : السّلام عليكم أدخل ، فسمع الرجل فقال : أدخل» (٢).
وكان أهل الجاهلية يقول الرجل منهم إذا دخل بيتا غير بيته : حييتم صباحا وحييتم مساء ، ثم يدخل ، فربما أصاب صاحب البيت مع امرأته في لحاف واحد ، فصدّ الله عزوجل عن ذلك ، وعلم ما هو الأحسن الأجمل ، وكم من باب من أبواب الدين هو عند الناس كالشريعة المنسوخة قد تركوا العمل به وباب الاستئذان من ذلك.
قال الزمخشري : بينا أنت في بيتك إذ رعف عليك الباب بواحد من غير استئذان ولا تحية من تحايا إسلام ولا جاهلية ، وهو ممن يسمع ما أنزل الله فيه ، وما قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ولكن أين الأذن الواعية. (ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ) أي : من تحية الجاهلية ، ومن أن تدخلوا من غير استئذان. «روي أن رجلا قال للنبي صلىاللهعليهوسلم : أأستأذن على أمي؟ قال : نعم ، قال : إنها ليس لها خادم غيري أأستأذن عليها كلما دخلت؟ قال : أتحب أن تراها عريانة؟ قال الرجل : لا ، قال : فاستأذن» (٣) ، وقوله تعالى : (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) متعلق بمحذوف أي : أنزل عليكم ، وقيل : بين لكم هذا إرادة أن تذكروا وتتعظوا وتعملوا بما أمرتم به في باب الاستئذان ، وقرأ حفص وحمزة والكسائي بتخفيف الذال والباقون بالتشديد.
(فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها) أي : البيوت (أَحَداً) يأذن لكم في دخولها (فَلا تَدْخُلُوها حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ) أي : حتى يأتي من يأذن لكم فإن المانع من الدخول فيها ليس الاطلاع على العورات فقط ، وإنما شرع لئلا يوقف على الأحوال التي تطويها الناس في العادة عن غيرهم ويتحفظون من اطلاع أحد عليها ولأنه تصرف في ملك غيرك ، فلا بد أن يكون برضاه وإلا أشبه الغصب والتغلب (وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا) أي : بعد الاستئذان (فَارْجِعُوا) أي : إذا كان في البيت أحد ، وقال لكم : ارجعوا فارجعوا (هُوَ) أي : الرجوع (أَزْكى) أي : أطهر وأصلح (لَكُمْ) من الوقوف على الأبواب منتظرين ؛ لأن هذا مما يجلب الكراهة ويقدح في قلوب الناس خصوصا إذا كانوا ذوي مروءة مرتاضين للآداب الحسنة وإذا نهي عن ذلك لأدائه إلى الكراهة وجب الانتهاء عن كل ما يؤدي إليها من قرع الباب بعنف والتصييح بصاحب الدار وغير ذلك مما يدخل في عادات من لم يتهذب من أكثر الناس ، وعن أبي عبيد رحمهالله تعالى : ما قرعت بابا على عالم قط ، وكفى بقصة بني أسد زاجرة وما نزل فيها من قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) [الحجرات ، ٤] وعن قتادة رحمهالله تعالى : إذا لم يؤذن له لا يقعد وراء الباب فإن للناس حاجات ، وإن حضر ولم يستأذن وقعد على الباب منتظرا جاز ، وكان ابن عباس رضي الله
__________________
(١) أخرجه مسلم في الآداب حديث ٢١٥٣ ، والترمذي في الاستئذان حديث ٢٦٩٠.
(٢) أخرجه أبو داود في الأدب حديث ٥١٧٧.
(٣) أخرجه مالك في الاستئذان حديث ١.