تعالى عنهما يأتي باب الأنصاري لطلب الحديث فيقعد على الباب حتى يخرج ، ولا يستأذن فيخرج الرجل فيقول : يا ابن عم رسول الله صلىاللهعليهوسلم لو أخبرتني فيقول : هكذا أمرنا أن نطلب العلم ، فإذا وقف فلا ينظر من شق الباب إذا كان الباب مردودا لما روي عن أبي هريرة أنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من اطلع في بيت قوم فقد حل لهم أن يفقؤوا عينه» (١) وفي رواية للنسائي قال : «لو أن امرأ اطلع عليك بغير إذن فخذفته ففقأت عينه ما كان عليك جناح» (٢) ، ولو عرض أمر في دار من حريق أو هدم أو هجوم سارق أو ظهور منكر يجب إنكاره جاز الدخول بغير إذن (وَاللهُ) أي : الذي لا يخفى عليه شيء (بِما تَعْمَلُونَ) من الدخول بإذن وبغير إذن (عَلِيمٌ) فيجازيكم عليه.
لما نزلت آية الاستئذان قالوا : يا رسول الله كيف بالبيوت التي بين مكة والمدينة والشام على ظهر الطريق ليس فيها إنسان فأنزل الله تعالى : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ) أي : إثم (أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ) أي : بغير استئذان منكم ، وذلك كبيوت الخانات والربط المسبلة (فِيها مَتاعٌ) أي : منفعة (لَكُمْ) والمنفعة فيها بالنزول وأنواع المتاع والاتقاء من الحر والبرد ونحو ذلك ، وقال ابن زيد : هي بيوت التجار وحوانيتهم التي بالأسواق يدخلها للبيع والشراء وهو المنفعة ، وقال إبراهيم النخعي : ليس على حوانيت الأسواق إذن ، وكان ابن سيرين رحمهالله تعالى إذا جاء إلى حانوت السوقي يقول : السّلام عليكم أدخل ثم يلج ، وقال عطاء : هي البيوت الخربة والمتاع هو قضاء الحاجة فيها من البول والغائط ، وذلك استثناء من الحكم السابق لشموله البيوت المسكونة وغيرها (وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ) أي : تظهرون (وَما تَكْتُمُونَ) أي : تخفون في دخول غير بيوتكم من قصد صلاح أو غيره ، وفي ذلك وعيد من الله تعالى لمن دخل لفساد أو تطلع على عورات وسيأتي أنهم إذا دخلوا بيوتهم سلموا على أنفسهم.
والحكم السابع حكم النظر المذكور في قوله تعالى : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ) أي : عما لا يحل لهم نظره (وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) أي : عما لا يحل لهم فعله بها.
تنبيه : من للتبعيض ، والمراد غض البصر عما لا يحل كما مرّ والاقتصار به على ما يحل ، وجوّز الأخفش أن تكون مزيدة وأباه سيبويه.
فإن قيل : لم دخلت من في غض البصر دون حفظ الفرج؟ أجيب : بأن في ذلك دلالة على أن المراد أن أمر النظر أوسع بدليل جواز النظر للمحارم فيما عدا ما بين السرة والركبة ، وأما نظر الفروج فالأمر فيه ضيق وكفاك فرقا أن أبيح النظر إلا ما استثني منه ، وحظر الجماع إلا ما استثني منه ، ويجوز أن يراد مع حفظها عن الإفضاء إلى ما لا يحل حفظها عن الإبداء ، وعن ابن زيد : كل ما في القرآن من حفظ الفرج فهو عن الزنا إلا هذا فإنه أراد به الاستتار.
فإن قيل : لم قدم غض البصر على حفظ الفرج؟ أجيب : بأن البلوى فيه أشد. وروي عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله تعالى عنه قال : سألت النبي صلىاللهعليهوسلم عن نظر الفجأة فقال : «اصرف بصرك» (٣). وعن بريدة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لعلي : «يا علي لا تتبع النظرة
__________________
(١) أخرجه البخاري في الديات حديث ٦٩٠٢ ، ومسلم في الآداب حديث ٢١٥٨.
(٢) أخرجه النسائي في القسامة حديث ٤٨٦١.
(٣) أخرجه أبو داود في النكاح حديث ٢١٤٨.