وقال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه : هي الثياب ، وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : هي الكحل والخاتم والخضاب في الكف فما كان من الزينة الظاهرة ، يجوز للأجنبي النظر إليها إن لم يخف فتنة في أحد وجهين وعليه الأكثر.
وإنما رخص في هذا القدر للمرأة أن تبديه من بدنها لأنه ليس بعورة في الصلاة وسائر بدنها عورة فيها ، ولأن سترها فيه حرج ، فإن المرأة لا تجد بدّا من مزاولة الأشياء بيديها ، ومن الحاجة إلى كشف وجهها خصوصا في الشهادة والمحاكمة والنكاح ، وتضطر إلى المشي في الطرقات وخاصة الفقيرات ، والوجه الثاني يحرم ؛ لأنه محل الفتنة ورجح حسما للباب (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَ) أي : يسترن الرؤوس والأعناق والصدور بالمقانع ، فإن جيوبهن كانت واسعة تبدو منها نحورهن وصدورهن وما حواليها ، وكن يسدلن الخمر من ورائهن فتبقى مكشوفة فأمرن بأن يسدلنها من قدّامهن حتى تغطيها ، ويجوز أن يراد بالجيوب الصدور تسمية لها باسم ما يليها ويلابسها ، ومنه قولهم : ناصح الجيب بالنون والصاد أي : سليم الصدر ، وقولك : ضربت بخمارها على جيبها كقولك : ضربت بيدي على الحائط إذا وضعتها عليه ؛ قالت عائشة رضي الله تعالى عنها : يرحم الله تعالى نساء المهاجرات لما أنزل الله وليضربن بخمرهن على جيوبهن شققن مروطهن فاختمرن بها ، والمرط كساء من صوف أو خز أو كتان ، وقيل : هو الإزار ، وقيل : هو الدرع.
وقرأ نافع وأبو عمرو وهشام وعاصم بضم الجيم ، والباقون بكسرها ، وكرر قوله تعالى : (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَ) لبيان من يحل له الإبداء ، ومن لا يحل له أي : الزينة الخفية التي لم يبح لهن كشفها في الصلاة ولا للأجانب وهي ما عدا الوجه والكفين (إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَ) أي : فإنهم المقصودون بالزينة ، ولهم أن ينظروا إلى جميع بدنهن حتى الفرج ولو الدبر ولكنه يكره ، وقال ابن عباس : لا يضعن الجلباب والخمار عنهن إلا لأزواجهن (أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَ) فيجوز لهؤلاء أن ينظروا إلى الزينة الخفية ولا ينظروا إلى ما بين السرة والركبة ، وإنما سومح في الزينة الخفية لأولئك المذكورين في الآية للحاجة المضطرّة إلى مداخلتهم ومخالطتهم ولقلة الفتنة من جهتهم ، ولما في الطباع من النفرة عن مماسة القرائب وتحتاج المرأة إلى صحبتهم في الأسفار للنزول والركوب وغير ذلك (أَوْ نِسائِهِنَ) أي : المؤمنات ، فإن الكافرات لا يتحرجن عن وصفهن للرجال ، فلا يجوز للمسلمة أن تتجرّد من ثيابها عند النساء الكافرات ؛ لأنهن أجنبيات عن الدين فكن كالرجال الأجانب ، لكن يجوز أن ترى الكافرة منها ما يبدو عند المهنة ، وقد كتب عمر بن الخطاب إلى أبي عبيدة بن الجراح أن يمنع نساء أهل الكتاب أن يدخلن الحمامات مع المسلمات ، وقيل : النساء كلهن ، وللعلماء في ذلك خلاف.
تنبيه : العورة على أربعة أقسام ؛ عورة الرجل مع الرجل ، وعورة المرأة مع المرأة ، وعورة المرأة مع الرجل ، وعورة الرجل مع المرأة ، أما الرجل مع الرجل فيجوز له أن ينظر إلى جميع بدنه ما عدا ما بين السرة والركبة ، وكذلك المرأة مع المرأة ، وأما المرأة مع الرجل أو الرجل مع المرأة ، فلا ينظر أحدهما من الآخر شيئا ، وقيل : يجوز للأجنبي أن ينظر إلى وجهها وكفيها إذا أمن الفتنة ولم تكن شهوة ، وقيل : يجوز لها أن تنظر منه ما عدا ما بين السرة والركبة ، ويجوز لمن أراد