والتحميد على أحوال أهل الجنة بسبب المأكول والمشروب ، فإنهم إذا اشتهوا شيئا قالوا : (سُبْحانَكَ اللهُمَ) [يونس ، ١٠] فيحصل ذلك الشيء ، فإذا فرغوا منه قالوا : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) [الفاتحة ، ٢] فترتفع الموائد عند ذلك.
قال الرازي : وهذا القائل ما رقى نظره في دنياه وأخراه عن المأكول والمشروب ، وحقيق بمثل هذا الإنسان أن يعدّ في زمرة البهائم ، وأما المحققون فقد تركوا ذلك. اه. ولا تنبغي هذه المبالغة ، فقد قاله البغوي ، وتبعه جماعة من المفسرين. وقال الزجاج : أعلم الله أنّ أهل الجنة يفتتحون بتعظيم الله تعالى وتنزيهه ، ويختمون بشكره والثناء عليه. قال البيضاوي : المعنى أنهم إذا دخلوا الجنة وعاينوا عظمة الله تعالى وكبرياءه مجّدوه ونعتوه بنعوت الجلال ، ثم حياهم الملائكة بالسلامة عن الآفات والفوز بأصناف الكرامات ، أو الله تعالى ، فحمدوه وأثنوا عليه بصفات الإكرام.
ولما وصف الله تعالى الكفار بأنهم لا يرجون لقاء الله ورضوا بالحياة الدنيا ، واطمأنوا بها ، وكانوا عن آيات الله غافلين ؛ بيّن أن من غفلتهم أنّ الرسول متى أنذرهم استعجلوا العذاب جهلا منهم وسفها بقوله تعالى : (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ) أي : ولو يعجل الله للناس إجابة دعائهم بالشر فيما لهم فيه مضرة ومكروه (اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ) أي : كما يحبون أن يعجل لهم إجابتهم بالخير (لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ) أي : لأهلكهم ، ولكن يمهلهم. نزلت في النضر بن الحارث حين قال : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء ، أو ائتنا بعذاب أليم ، ويدل عليه قوله تعالى : (فَنَذَرُ) أي : فنترك. (الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ) أي : في تمردّهم وعتوهم. (يَعْمَهُونَ) أي : يتردّدون متحيرين. وقال ابن عباس : هذا في قول الرجل عند الغضب لأهله وولده : لعنكم الله ، لا بارك الله فيكم. وقال قتادة : هو دعاء الرجل على نفسه وأهله وماله بما يكره أن يستجاب له فيه. وعن أبي هريرة رضي الله عنه : أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «اللهم إني اتخذت عندك عهدا لن تخلفنيه ، إنما أنا بشر ، فأيّ المؤمنين آذيته أو شتمته أو جلدته أو لعنته فاجعلها له صلاة وزكاة وقربة تقرّبه بها إليّ يوم القيامة» (١).
فإن قيل : قابل التعجيل في الآية بالاستعجال ، وكان مقتضى النظم أن يقابل التعجيل بالتعجيل والاستعجال بالاستعجال ، أجيب : بأنّ تقدير الكلام : ولو يعجل الله للناس الشر تعجيله للخير حين استعجلوه استعجالا كاستعجالهم بالخير ، فحذف منه ما حذف لدلالة الباقي عليه ، وقال في «الكشاف» : أصل هذا الكلام : ولو يعجل الله للناس الشر تعجيله لهم بالخير إلا أنه وضع استعجالهم بالخير موضع تعجيله لهم بالخير إشعارا بسرعة إجابته لهم وإسعافه بطلبتهم ، حتى كان استعجالهم بالخير تعجيل لهم.
ولما حكى تعالى عنهم أنهم يستعجلون في نزول العذاب ، بين أنهم كاذبون في ذلك الطلب والاستعجال بقوله تعالى : (وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ) أي : الكافر (الضُّرُّ) أي : المرض والفقر (دَعانا لِجَنْبِهِ) أي : على جنبه مضطجعا (أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً) وفائدة التردّد تعميم الدعاء لجميع الأحوال
__________________
(١) أخرجه أحمد في المسند ٢ / ٣٩٠ ، ٣ / ٣٣ ، والهيثمي في مجمع الزوائد ٨ / ٢٦٦ ، وعبد الرزاق في المصنف ٢٠٢٩٣ ، ٢٠٢٩٤.