الْأَرْضَ قَراراً وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً أَإِلهٌ مَعَ اللهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٦١) أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللهِ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ (٦٢) أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلهٌ مَعَ اللهِ تَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٣))
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا) أي : بما لنا من العظمة (إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ) أي : من القبيلة (صالِحاً) ثم ذكر المقصود من الرسالة بما لا أعدل منه ولا أحسن بقوله : (أَنِ اعْبُدُوا اللهَ) أي : الملك الأعظم وحده ولا تشركوا به شيئا ، ثم تعجب منهم بما أشارت إليه الفاء وإذا المفاجأة من المبادرة إلى الافتراق بما يدعو إلى الاجتماع بقوله : (فَإِذا هُمْ) أي : ثمود (فَرِيقانِ) وبين بقوله تعالى : (يَخْتَصِمُونَ) أنهم فرقة افتراق بكفر وإيمان لا فرقة اجتماع في هدى وعرفان ، ففريق صدق صالحا واتبعه وفريق استمرّ على شركه وكذبه وكل فريق يقول أنا على الحق وخصمي على الباطل.
ثم استعطف صالح عليهالسلام على المكذبين بأن (قالَ) لهم (يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ) أي : تطلبون العجلة بالإتيان (بِالسَّيِّئَةِ) أي : التي مساءتها ثابتة وهي العقوبة التي أنذرت بها من كفر (قَبْلَ) الحالة (الْحَسَنَةِ) من الخيرات التي أبشركم بها في الدنيا والآخرة إن آمنتم ، والاستعجال : طلب الإتيان بالأمر قبل الوقت المضروب ، واستعجالهم لذلك بالإصرار على سببه وقولهم استهزاء (ائْتِنا بِما تَعِدُنا) وكانوا يقولون إنّ العقوبة التي يعدها صالح إن وقعت على زعمه تبنا حينئذ واستغفرنا ، فحينئذ يقبل الله تعالى توبتنا ويدفع العذاب عنا ، فخاطبهم صالح عليهالسلام على حسب عقولهم واعتقادهم فقال : (لَوْ لا) أي : هلا ولم لا (تَسْتَغْفِرُونَ اللهَ) أي : تطلبون غفرانه قبل نزول العذاب ، فإنّ استعجال الخير أولى من استعجال الشرّ (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) تنبيها لهم على الخطأ فيما قالوه فإنّ العذاب إذا نزل بهم لا تقبل توبتهم.
تنبيه : وصف العذاب بأنه سيئة مجازا إمّا لأن العقاب من لوازمه أو لأنه يشبهه في كونه مكروها ، وأمّا وصف الرحمة بأنها حسنة فقيل حقيقة وقيل مجاز.
ثم إنّ صالحا عليهالسلام لما قرّر لهم هذا الكلام الحق أجابوه بكلام فاسد بأن (قالُوا) فظاظة وغلظة (اطَّيَّرْنا) أي : تشاءمنا (بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ) أي : وبمن آمن بك ، وذلك أن الله تعالى قد أمسك عنهم المطر في ذلك الوقت وقحطوا ، فقالوا حل بنا هذا الضرر والشدّة من شؤمك وشؤم أصحابك ، قال الزمخشري : كان الرجل يخرج مسافرا فيمرّ بطائر فيزجره فإن مرّ سانحا تيمن وإن مرّ بارحا تشائم ، قال الجوهريّ : السنيح والسانح ما ولاك ميامنه من ظبي أو طائر وغيرهما وبرح الظبي بروحا إذا ولاك مياسره يمرّ من ميامنك إلى مياسرك والعرب تتطير بالبارح وتتفائل بالسانح ، فلما نسبوا الخير والشرّ إلى الطائر استعير لما كان سببهما من قدر الله تعالى وقسمته.
تنبيه : أصل اطيرنا تطيرنا أدغمت التاء في الطاء واجتلبت همزة وصل.
ثم أجابهم صالح عليهالسلام بأن (قالَ) لهم (طائِرُكُمْ) أي : ما يصيبكم من خير وشرّ (عِنْدَ اللهِ) أي : الملك الأعظم المحيط بكل شيء علما وقدرة وهو قضاؤه وقدره وليس شيء منه بيد غيره ، وسمي طائرا لسرعة نزوله بالإنسان ، فإنه لا شيء أسرع من قضاء محتوم ، وقال ابن عباس : الشؤم أتاكم من عند الله تعالى بكفركم ، وقيل : طائركم عملكم عند الله سمي طائرا لسرعة صعوده إلى