السماء ، ومنه قوله تعالى : (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ) [الإسراء : ١٣] (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ) قال ابن عباس : تختبرون بالخير والشرّ كقوله تعالى : (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) [الأنبياء : ٣٥] وقال محمد بن كعب : تعذبون ، وقيل : يفتنكم الشيطان بوسوسته إليكم بالتطير.
لما أخبر الله تعالى عن عامة هذا الفريق بالشرّ نبه على بعض شرّهم بقوله تعالى : (وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ) أي : مدينة ثمود وهي الحجر (تِسْعَةُ رَهْطٍ) أي : رجال وإنما جاز تمييزا لتسعة بالرهط لأنه في معنى الجماعة فكأنه قيل تسعة أنفس أو رجال كما قدّرته ، والفرق بين الرهط والنفر أنّ الرهط من الثلاثة إلى العشرة أو من السبعة إلى العشرة والنفر من الثلاثة إلى التسعة.
وأسماؤهم عن وهب : الهذيل بن عبد رب غنم بن غنم ، رياب بن مهرج ، مصدع بن مهرج ، عمير بن كردبة ، عاصم بن مخرمة ، سبيط بن صدقة ، سمعان بن صفي ، قدار بن سالف وهم الذي سعوا في عقر الناقة وكانوا عتاة قوم صالح وكانوا من أبناء أشرافهم ورأسهم قدار بن سالف وهو الذي تولى عقر الناقة ، وقوله : (يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) إشارة إلى عموم فسادهم ودوامه وقوله : (وَلا يُصْلِحُونَ) يحتمل أن يكون مؤكدا للأوّل ويحتمل أن لا يكون وهو الأولى ، لأنّ بعض المفسدين قد يندر منه بعض الصلاح فنفى عنهم ذلك فليس شأنهم إلا الفساد المحض الذي لا يخالطه شيء من الصلاح.
ولما اقتضى السياق السؤال عن بعض حالهم أجاب بقوله : (قالُوا تَقاسَمُوا) أي : قال بعضهم لبعض احلفوا (بِاللهِ) أي : الملك العظيم (لَنُبَيِّتَنَّهُ) أي : صالحا (وَأَهْلَهُ) أي : من آمن به لنهلكنّ الجميع ليلا ، فإنّ البيات مباغتة العدوّ ليلا.
تنبيه : محل تقاسموا جزم على الأمر ، ويجوز أن يكون فعلا ماضيا ، وحينئذ يجوز أن يكون مفسرا لقالوا كأنه قيل : ما قالوا : فقيل تقاسموا ، ويجوز أن يكون حالا على إضمار قدر أي : قالوا ذلك متقاسمين وإليه ذهب الزمخشريّ.
(ثُمَّ لَنَقُولَنَ) أي : بعد إهلاك صالح ومن معه (لِوَلِيِّهِ) أي : المطالب بدمه إن بقي منهم أحد (ما شَهِدْنا) أي : ما حضرنا (مَهْلِكَ) أي : إهلاك (أَهْلَهُ) أي : أهل ذلك الولي فضلا عن أن نكون باشرنا أو أهل صالح عليهالسلام فضلا عن أن نكون شهدنا مهلكه أو باشرنا قتله ولا موضع إهلاكه ، وقرأ حمزة والكسائي بعد اللام من لنبيتنه بتاء فوقية مضمومة وبعد الياء التحتية بتاء فوقية مضمومة وبعد اللام من ليقولنّ بتاء فوقية مفتوحة وضمّ اللام بعد الواو ، والباقون بعد اللام من لنقولنّ بنون مفتوحة ونصب اللام من لنقولنّ ، وقرأ عاصم مهلك بفتح الميم ، والباقون بضمها ، وكسر اللام حفص ، وفتحها الباقون.
ولما صمموا على هذا الأمر وظنوا أنفسهم على المبالغة في الحلف بقولهم (وَإِنَّا لَصادِقُونَ) أي : في قولنا ما شهدنا مهلك أهله ذلك ، فإن قيل : كيف يكونون صادقين وقد جحدوا ما فعلوا فأتوا بالخبر على خلاف المخبر عنه؟ أجيب : على التفسير الثاني بأنهم اعتقدوا أنهم إذا بيتوا صالحا وبيتوا أهله فجمعوا بين البياتين ، ثم قالوا ما شهدنا مهلك أهله فذكروا أحدهما ، كانوا صادقين لأنهم فعلوا البياتين جميعا لا أحدهما ، وفي هذا دليل قاطع على أنّ الكذب قبيح عند الكفرة الذين لا يعرفون الشرع ونواهيه ولا يخطر ببالهم إلا أنهم قصدوا قتل نبيّ الله ولم يرضوا لأنفسهم أن يكونوا كاذبين حتى سوّوا للصدق في خبرهم حيلة يتفصون فيها عن الكذب.