عليهماالسلام وصاهرهم وكانوا يأتون الأحداث منكرا موبخا (أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ) أي : الفعلة المتناهية في الفحش (وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ) من بصر القلب ، أي : تعلمون فحشها واقتراف القبائح من العالم بقبحها أقبح ، أو يبصرها بعضكم من بعض لأنهم كانوا في ناديهم يرتكبونها معلنين لا يستتر بعضهم من بعض خلاعة ومجانة وانهماكا في المعصية ، قال الزمخشري وكان أبا نواس بنى على مذهبهم قوله (١) :
وبح باسم ما تأتي وذرني من الكنى |
|
فلا خير في اللذات من دونها ستر |
أو تبصرون آثار العصاة قبلكم وما نزل بهم ، فإن قيل : إذا فسر تبصرون بالعلم وبعده بل أنتم قوم تجهلون فكيف يكونون علماء جهلاء؟.
أجيب : بأنهم يفعلون فعل الجاهلين بأنها فاحشة مع علمهم بذلك أو يجهلون العاقبة ، أو أنّ المراد بالجهل السفاهة والمجانة التي كانوا عليها.
ثم عين ما أبهمه بقوله : (أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ) وقال (الرِّجالَ) إشارة إلى أنّ فعلتهم هذه مما يعني الوصف ولا يبلغ كنه قبحها ولا يصدّق ذو عقل أنّ أحدا يفعلها ، ثم علل ذلك بقوله (شَهْوَةً) إنزالا لهم إلى رتبة البهائم التي ليس فيها قصد ولد ولا إعفاف ، وقال (مِنْ دُونِ النِّساءِ) إشارة إلى أنهم أساؤوا من الطرفين في الفعل والترك ، وقوله : (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) تقدّم في جواب تبصرون تفسيره ، فإن قيل : تجهلون صفة لقوم والموصوف لفظه لفظ الغائب فهلا طابقت الصفة الموصوف؟ أجيب : بأنه قد اجتمعت الغيبة والمخاطبة فغلبت المخاطبة لأنها أقوى وأرسخ أصلا من الغيبة ، وقرأ أئنكم نافع وابن كثير وأبو عمرو بتسهيل الهمزة الثانية المكسورة كالياء ، وحققها الباقون ، وأدخل بينهما قالون وأبو عمرو ألفا ، وهشام بخلاف عنه.
لما بين تعالى بجهلهم بين أنهم أجابوا بما لا يصلح أن يكون جوابا بقوله تعالى : (فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ) أي : لهذا الكلام الحسن لما لم يكن لهم حجة ولا شبهة في دفعه (إِلَّا أَنْ قالُوا) عدولا إلى المغالبة وتماديا في الخبث (أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ) أي : أهله وقالوا (مِنْ قَرْيَتِكُمْ) منا عليه بإسكانه عندهم ، وعللوا ذلك بقولهم (إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ) أي : يتنزهون عن القاذورات كلها فينكرون هذا العمل القذر ويغيظنا إنكارهم ، وعن ابن عباس : هو استهزاء أي : قالوه تهكما بهم.
ولما وصلوا في الخبث إلى هذا الحدّ سبب سبحانه وتعالى عن قولهم وفعلهم قوله تعالى : (فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ) أي : كلهم من أن يصلوا إليهم بأذى ويلحقهم من عذابنا (إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها) أي : قضينا عليها وجعلناها بتقديرنا (مِنَ الْغابِرِينَ) أي : الباقين في العذاب ، وقرأ شعبة بتخفيف الدال والباقون بالتشديد.
(وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً) هو حجارة السجيل ، أي : أهلكتهم ولذلك تسبب عنه قوله (فَساءَ) أي : فبئس (مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ) بالعذاب مطرهم.
ولما أتم سبحانه وتعالى هذه القصص الدالة على كمال قدرته وعظيم شأنه وما خص به رسله من الآيات والانتصار من البعداء أمر نبيه صلىاللهعليهوسلم أن يحمده على هلاك الأمم الخالية بقوله : (قُلِ) يا أفضل الخلق. (الْحَمْدُ) أي : الوصف بالإحاطة بصفات الكمال (لِلَّهِ) على إهلاك هؤلاء البعداء
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو في الكشاف للزمخشري ٣ / ٣٧٨.