البغضاء ، وأن يسلم على من اصطفاه بالعصمة من الفواحش والنجاة من الهلاك بقوله تعالى : (وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى) أي : اصطفاهم ، واختلف فيهم فقال مقاتل : هم الأنبياء والمرسلون بدليل قوله تعالى : (وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ) [الصافات ، ١٨١] وقال ابن عباس في رواية أبي مالك هم أصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم : وقيل : هم كل المؤمنين من السابقين واللاحقين.
تنبيه : سلام مبتدأ وسوغ الابتداء به كونه دعاء.
ولما بين أنه تعالى أهلكهم ولم تغن عنهم آلهتهم من الله شيئا قال تعالى : (آللهُ) أي : الذي له الجلال والإكرام (خَيْرٌ) أي : لعباده الذين اصطفاهم وأنجاهم (أَمَّا يُشْرِكُونَ) أي : الكفار من الآلهة خير لعبادها فإنهم لا يغنون عنهم شيئا.
تنبيه : لكل من القراء السبعة في هاتين الهمزتين وجهان : الأوّل : تحقيق همزة الاستفهام وإبدال همزة الوصل ألفا مع المدّ ، والثاني : تحقيق همزة الاستفهام أيضا وتسهيل همزة الوصل مع القصر ، وقرأ أبو عمرو وعاصم يشركون بالياء التحتية بالغيبة حملا على ما قبله من قوله تعالى : (وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً) وما بعده من قوله تعالى : (بَلْ أَكْثَرُهُمْ) والباقون بالتاء الفوقية على الخطاب ، وهو التفات للكفار ، بعد خطاب نبيه صلىاللهعليهوسلم وهذا تبكيت للمشركين بحالهم لأنهم آثروا عبادة الأصنام على عبادة الله تعالى ، ولا يؤثر عاقل شيئا على شيء إلا لزيادة خير ومنفعة ، فقيل لهم هذا الكلام تنبيها لهم على نهاية ضلالهم وجهلهم وتهكما بهم وتسفيها لرأيهم إذ من المعلوم أنه لا خير فيما أشركوه رأسا حتى يوازنون بينه وبين من هو مبتدأ كل خير وروي أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان إذا قرأها قال : «بل الله خير وأبقى وأجل وأكرم» (١) ، ثم عدد سبحانه وتعالى أنواعا من الخيرات والمنافع التي هي آثار رحمته وفضله : الأوّل منها قوله تعالى : (أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) أي : التي هي أصول الكائنات ومبادئ المنافع ، فإن قيل : ما الفرق بين أم وأم في (أَمَّا يُشْرِكُونَ) و (أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ)؟ أجيب : بأنّ تلك متصلة لأنّ المعنى أيهما خير ، وهذه منقطعة بمعنى بل والهمزة ، لما قال الله خير أم الآلهة قال بل أم من خلق السموات والأرض خير تقريرا لهم بأنّ من قدر على خلق العالم خير من جماد لا يقدر على شيء (وَأَنْزَلَ لَكُمْ) أي : لأجلكم خاصة وأنتم تكفرون به وتنسبون ما تفرد به من ذلك لغيره (مِنَ السَّماءِ ماءً) هو للأرض كالماء الدافق للأرحام (فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ) جمع حديقة وهي البستان ، وقيل : القطعة من الأرض ذات الماء.
قال الراغب : سميت بذلك تشبها بحدقة العين في الهيئة وحصول الماء فيها ، وقال غيره : سميت بذلك لإحداق الجدران بها قاله ابن عادل ، وليس بشيء لأنه يطلق عليها ذلك مع عدم الجدران (ذاتَ بَهْجَةٍ) أي : بهاء وحسن ورونق وسرور على تقارب أصولها مع اختلاف أنواعها وتباين طعومها وأشكالها ومقاديرها وألوانها.
ولما أثبت الإنبات له نفاه عن غيره بقوله تعالى : (ما كانَ) أي : ما صح وما تصوّر بوجه من الوجوه (لَكُمْ) وأنتم أحياء فضلا عن شركائكم الذين هم أموات بل موات (أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها) أي : شجر تلك الحدائق (أَإِلهٌ مَعَ اللهِ) أعانه على ذلك ، أي : ليس معه إله (بَلْ هُمْ) أي : في
__________________
(١) أخرجه القرطبي في تفسيره ١٣ / ٢٢١ ، وابن حجر في الكاف الشاف في تخريج أحاديث الكشاف ١٢٥.