والنطيحة والرمية في أنها أسماء غير صفات (إِلَّا فِي كِتابٍ) هو اللوح المحفوظ كتب فيه ذلك قبل إيجاده لأنه لا يكون شيء إلا بعلمه وتقديره (مُبِينٍ) أي : ظاهر لمن ينظر فيه من الملائكة.
ولما تمم تعالى الكلام في إثبات المبدأ والمعاد ذكر بعده ما يتعلق بالنبوّة بقوله تعالى : (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ) أي : الآتي به هذا النبيّ الأميّ الذي لم يعرف قبله علما ولا خالط عالما (يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ) أي : الموجودين في زمان نبينا صلىاللهعليهوسلم (أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) أي : من أمر الدين وإن بالغوا في كتمه كقصة الزاني المحصن في إخفائهم أنّ حدّه الرجم ، وقصة عزير والمسيح ، وإخراج النبي صلىاللهعليهوسلم ذلك مما في توراتهم فصح بحقيقته على لسان من لم يلمّ بعلم قط نبوّته صلىاللهعليهوسلم لأنّ ذلك لا يكون إلا من عند الله.
ثم وصف تعالى فضل هذا القرآن بقوله تعالى :
(وَإِنَّهُ لَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (٧٧) إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (٧٨) فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (٧٩) إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (٨٠) وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلاَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (٨١) وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ (٨٢) وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ (٨٣) حَتَّى إِذا جاؤُ قالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨٤) وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِما ظَلَمُوا فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ (٨٥) أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٨٦) وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شاءَ اللهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ (٨٧) وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ (٨٨))
(وَإِنَّهُ لَهُدىً) أي : من الضلالة لما فيه من الدلائل على التوحيد والحشر والنشر والنبوّة وشرح صفات الله تعالى (وَرَحْمَةٌ) أي : نعمة وإكرام (لِلْمُؤْمِنِينَ) أي : الذين طبعهم على الإيمان فهو صفة لهم راسخة كما أنه للكافرين وقر في آذانهم وعمى في قلوبهم.
ولما ذكر تعالى دليل فضله أتبعه دليل عدله بقوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ) أي : المحسن إليك بما لم يصل إليه أحد (يَقْضِي بَيْنَهُمْ) أي : بين جميع المختلفين (بِحُكْمِهِ) أي : الذي هو أعدل حكم وأتقنه وأنفذه ، فإن قيل : القضاء والحكم شيء واحد فقوله تعالى : (يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ) أي : بما يحكم به كقوله يقضي بقضائه ويحكم بحكمه؟ أجيب : بأنّ معنى قوله تعالى : (بِحُكْمِهِ) أي : بما يحكم به وهو عدله لأنه لا يقضي إلا بالعدل فسمى المحكوم به حكما أو أراد بحكمته (وَهُوَ) أي : والحال أنه هو (الْعَزِيزُ) أي : فلا يردّ له أمر (الْعَلِيمُ) فلا يخفى عليه سرّ ولا جهر.
فلما ثبت له تعالى العلم والحكمة والعظمة والقدرة تسبب عن ذلك قوله تعالى : (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) أي : ثق به لتدع الأمور كلها إليه وتستريح من تحمل المشاق وثوقا بنصره ، ثم علل ذلك بقوله تعالى : (إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ) أي : البين في نفسه الموضح لغيره فصاحب الحق حقيق بالوثوق بحفظ الله تعالى ونصره.
وقوله تعالى : (إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى) تعليل آخر للأمر بالتوكل من حيث إنه يقطع طمعه من معاضدتهم ، وإنما شبهوا بالموتى لعدم انتفاعهم باستماع ما يتلى عليهم كما شبهوا بالصم في قوله