تعالى : (وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) أي : معرضين ، فإن قيل : ما معنى قوله تعالى : (وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) أجيب : بأنه تأكيد لحال الأصم لأنه إذا تباعد عن محل الداعي بأن تولى عنه مدبرا كان أبعد عن إدراك صوته ، وقرأ ابن كثير ولا يسمع بالياء التحتية المفتوحة وفتح الميم الصم برفع الميم ، والباقون بالتاء الفوقية مضمومة وكسر الميم الصم بالنصب ، وسهل نافع وابن كثير وأبو عمرو الهمزة الثانية من الدعاء إذا كالياء مع تحقيق الأولى ، والباقون بتحقيقهما وهم على مراتبهم في المدّ.
ثم قطع طمعه في إيمانهم بقوله تعالى : (وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ) أي : في أبصارهم وبصائرهم مزيلا لهم وناقلا ومبعدا (عَنْ ضَلالَتِهِمْ) أي : عن الطريق بحيث تحفظهم عن أن يزلوا عنها أصلا فإنّ هذا لا يقدر عليه إلا الحيّ القيوم ، وقرأ حمزة تهدي بتاء فوقيه وسكون الهاء والعمي بنصب الياء ، والباقون بالباء الموحدة مكسورة وفتح الهاء بعدها ألف والعمي بكسر الياء.
ولما كان هذا ربما أوقف عن دعائهم رجاه في انقيادهم وارعوائهم بقوله تعالى : (إِنْ) أي : ما (تُسْمِعُ) أي : سماع انتفاع على وجه الكمال في كل حال (إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ) أي : من علمنا أنه يصدّق (بِآياتِنا) بأن جعلنا فيه قابلية السمع ، ثم تسبب عنه قوله دليلا على إيمانه (فَهُمْ مُسْلِمُونَ) أي : مخلصون في غاية الطواعية لك كما في قوله تعالى : (بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ) [البقرة : ١١٢] أي : جعله سالما خالصا.
ثم ذكر تعالى ما يوعدون مما تقدّم استعجالهم له استهزاء بقوله تعالى : (وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ) أي : مضمون القول وهو ما وعدوا به من قيام الساعة والعذاب ، ووقوعه حصوله ، أو أطلق المصدر على المفعول أي : المقول (أَخْرَجْنا) أي : بما لنا من العظمة (لَهُمْ) حين مشارفة العذاب والساعة وظهور أشراطها حين لا تنفع التوبة (دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ) وهي الجساسة جاء في الحديث : «إن طولها ستون ذراعا لا يدركها طالب ولا بفوتها هارب» (١) وروي : «أنّ لها أربع قوائم وزغبا وهو شعر أصفر على ريش الفرخ وريشا وجناحين» (٢).
وعن ابن جريج في وصفها فقال : رأسها رأس الثور ، وعينها عين الخنزير ، وأذنها أذن فيل ، وقرنها قرن أيل وعنقها عنق نعامة ، وصدرها صدر أسد ، ولونها لون نمر ، وخاصرتها خاصرة هرّ ، وذنبها ذنب كبش ، وخفها خف بعير وما بين المفصلين اثنا عشر ذراعا بذراع آدم عليهالسلام ، وروي أنها لا تخرج إلا رأسها ورأسها يبلغ عنان السماء أي : يبلغ السحاب ، وعن أبي هريرة فيها من كل لون وما بين قرنيها فرسخ للرّاكب ، وعن الحسن لا يتم خروجها إلا بعد ثلاثة أيام.
وعن علي رضي الله تعالى عنه : أنها تخرج ثلاثة أيام والناس ينظرون فلا يخرج إلا ثلثها ، وروي أنه صلىاللهعليهوسلم سئل من أين تخرج الدابة فقال : «من أعظم المساجد حرمة وأكرمها على الله فما يهولهم إلا خروجها من بين الركن» (٣) حذاء دار بني مخزوم عن يمين الخارج من المسجد فقوم يهربون وقوم : يقفون نظارا ، وقيل تخرج من الصفا.
__________________
(١) أخرجه ابن الجوزي في زاد المسير ٦ / ١٩١.
(٢) الحديث لم أجده بهذا اللفظ في كتب الحديث التي بين يدي.
(٣) الحديث لم أجده.