لتسمع قرع عصاي هذه ، وعن أبي هريرة أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «بئس الشعب شعب أجياد مرّتين أو ثلاثا قيل ولم ذاك يا رسول الله قال تخرج منه الدابة فتصرخ ثلاث صرخات يسمعها من بين الخافقين» (١) وقال وهب : وجهها وجه الرجل وسائر خلقها خلق الطير فتخبر من يراها أنّ أهل مكة كانوا بمحمد والقرآن لا يوقنون ، وقرأ الكوفيون بفتح الهمزة من أنّ على تقدير الباء أي : بأنّ الناس الخ ، والباقون بكسرها على الاستئناف.
(وَيَوْمَ نَحْشُرُ) أي : الناس على وجه الإكراه ، قال أبو حيان الحشر الجمع على عنف (مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ) أي : قرن (فَوْجاً) أي : جماعة (مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا) أي : وهم رؤساؤهم المتبوعون (فَهُمْ يُوزَعُونَ) أي : يجمعون يرد آخرهم إلى أوّلهم وأطرافهم على أوساطهم ليتلاحقوا ولا يشذ منهم أحد ولا يزالون كذلك.
(حَتَّى إِذا جاؤُ) إلى مكان الحساب (قالَ) أي : الله تعالى لهم (أَكَذَّبْتُمْ) أي : أنبيائي (بِآياتِي) التي جاؤوا بها (وَ) الحال أنكم (لَمْ تُحِيطُوا بِها) أي : من جهة تكذيبكم (عِلْماً) أي : من غير فكر ولا نظر يؤدّي إلى الإحاطة بما في معانيها وما أظهرت لأجله حتى تعلموا ما تستحقه وما يليق بها بدليل الأمر به فيه ، وأم في قوله تعالى : (أَمَّا ذا) منقطعة وتقدّم حكمها ، وماذا يجوز أن يكون برمته استفهاما منصوبا بتعلمون الواقع خبرا عن كنتم ، وأن تكون ما استفهامية مبتدأ وذا موصول خبره والصلة (كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ). وعائده محذوف أي : أي شيء الذي كنتم تعملونه.
(وَوَقَعَ الْقَوْلُ) أي : وجب العذاب الموعود (عَلَيْهِمْ بِما ظَلَمُوا) أي : بسبب ما وقع منهم من الظلم من صريح التكذيب وما ينشأ عنه من الضلال في الأقوال والأفعال (فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ) قال قتادة : كيف ينطقون ولا حجة لهم نظير قوله تعالى : (هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ (٣٥) وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) [المرسلات : ٣٥ ، ٣٦] وقيل : لا ينطقون لأن أفواههم مختومة.
ثم إنه تعالى لما خوّفهم بأحوال القيامة ذكر كلاما يصلح أن يكون دليلا على التوحيد والحشر وعلى النبوّة مبالغة في الإرشاد إلى الإيمان والمنع من الكفر فقال : (أَلَمْ يَرَوْا) مما يدلهم على قدرتنا على بعثهم بعد الموت وعلى كل ما أخبرناهم به (أَنَّا جَعَلْنَا) أي : بعظمتنا الدالة على نفوذ مرادنا وفعلنا بالاختيار (اللَّيْلَ) أي : مظلما (لِيَسْكُنُوا فِيهِ) عن الانتشار (وَالنَّهارَ مُبْصِراً) أي : يبصر فيه ليتصرفوا فيه ويبتغوا من فضل الله فحذف من الأوّل ما ثبت نظيره في الثاني ، ومن الثاني ما ثبت نظيره في الأول إذ التقدير جعلنا الليل مظلما كما مرّ ليسكنوا فيه والنهار مبصرا ليتصرفوا فيه كما مرّ فحذف مظلما لدلالة مبصرا واليتصرفوا لدلالة لتسكنوا فيه وقوله تعالى : (مُبْصِراً) كقوله تعالى : (آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً) [الإسراء : ١٢] وتقدم الكلام على ذلك في الإسراء.
قال الزمخشري : فإن قلت : ما للتقابل لم يراع في قوله تعالى ليسكنوا ومبصرا حيث كان أحدهما علة والآخر حالا؟ قلت : هو مراعى من حيث المعنى وهكذا النظم المطبوع غير المتكلف لأنّ معنى مبصرا ليبصروا فيه طرق التقلب في المكاسب ، وأجاب غيره بأنّ السكون في الليل هو
__________________
(١) أخرجه السيوطي في الدر المنثور ٥ / ١١٧ ، والبغوي في تفسيره ٥ / ١٥٨ ، والمتقي الهندي في كنز العمال ٣٨٨٨٠ ، والشجري في الأمالي ٢ / ٢٧٧.