عليه منكوس ويقال له تبكيتا (هَلْ) أي : ما (تُجْزَوْنَ إِلَّا) جزاء (ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أي : من الشرك والمعاصي.
تنبيه : جعل مقابلة الحسنة بالثواب والسيآت بالعقاب من جملة أحكامه للأشياء وإتقانه لها وإجرائه لها على قضايا الحكمة إنه عليم بما يفعل العباد وبما يستوجبون عليه فيكافئهم على حسب ذلك فانظر إلى بلاغة هذا الكلام وحسن نظمه وترتيبه ، وأخذ بعضه بحجزة بعض كأنما أفرغ إفراغا واحدا ولأمر ما أعجز القوى وأخرس الشقاشق والادعاء.
ثم أمر الله تعالى رسوله صلىاللهعليهوسلم أن يقول لقومه : (إِنَّما أُمِرْتُ) أي : بأمر من لا يردّ له أمر (أَنْ أَعْبُدَ) أي : بجميع ما آمركم به (رَبَ) أي : موجد ومدبر (هذِهِ الْبَلْدَةِ) أي : مكة التي تخرج الدابة منها فيفزع كل من رآها ثم تؤمن أهل السعادة أخصه بذلك لا أعبد شيئا مما تعبدونه (الَّذِي حَرَّمَها) أي : جعلها الله تعالى حرما آمنا لا يسفك فيها دم ولا يظلم فيها أحد ولا يصاد صيدها ولا يختلي خلاها ولما خصص مكة بهذه الإضافة تشريفا لها وتعظيما لشأنها قال احترازا عما قد يتوهم (وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ) أي : من غيرها مما أشركتموه به وغيره خلقا وملكا.
ولما كانوا ربما قالوا نحن نعبده بعبادة من نرجوه يقرّبنا إليه زلفى ، عين له الدين الذي تكون به العبادة بقوله : (وَأُمِرْتُ) أي : مع الأمر بالعبادة له وحده (أَنْ أَكُونَ) أي : كونا هو في غاية الرسوخ (مِنَ الْمُسْلِمِينَ) أي : المنقادين لجميع ما يأمر به كتابه أتمّ انقياد ثابتا على ذلك غاية الثبات.
(وَأَنْ) أي : وأمرت أن (أَتْلُوَا الْقُرْآنَ) عليكم تلاوة الدعوة إلى الإيمان ، أو أن أواظب على تلاوته لتنكشف لي حقائقه في تلاوته شيئا فشيئا (فَمَنِ اهْتَدى) أي : باتباع هذا القرآن الداعي إلى الجنان (فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ) أي : لأجلها لأنّ ثواب هدايته له (وَمَنْ ضَلَ) أي : عن الإيمان الذي هو الطريق المستقيم (فَقُلْ) أي : له كما تقول لغيره (إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ) أي : المخوّفين له عواقب صنعه فلا عليّ من وبال ضلاله شيء إذ ما على الرسول إلا البلاغ وقد بلغت.
(وَقُلِ) أي : إنذارا لهم وترغيبا وترجئة وترهيبا (الْحَمْدُ) أي : الإحاطة بأوصاف الكمال (لِلَّهِ) أي : الذي له العظمة كلها على نعمة النبوّة وعلى ما علمني ووفقني للعمل به (سَيُرِيكُمْ آياتِهِ) القاهرة في الدنيا كوقعة بدر وخروج دابة الأرض وفي الآخرة بالعذاب الأليم (فَتَعْرِفُونَها) أي : فتعرفون أنها آيات الله ولكن حين لا تنفعكم المعرفة.
(وَما رَبُّكَ) أي : المحسن إليك بجميع ما أقامك فيه من هذه الأمور العظيمة والأحوال الجسيمة. (بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) أي : فلا تحسبوا أن تأخير عذابكم لغفلته عن أعمالكم ، وقرأ نافع وابن عامر وحفص : بالتاء على الخطاب لأنّ المعنى عما تعمل أنت وأتباعك من الطاعة وهم من المعصية ، والباقون بالياء على الغيبة وما رواه البيضاوي تبعا للزمخشري : «من أنّ من قرأ طس كان له من الأجر عشرة حسنات بعدد من صدق سليمان وكذب به وهود وشعيب وصالح وإبراهيم ويخرج من قبره وهو ينادي لا إله إلا الله» (١) حديث موضوع.
__________________
(١) ذكره الزمخشري في الكشاف ٣ / ٣٩٤.