تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (١٣))
(طسم) تقدّم الكلام على أوائل السور أوّل البقرة.
(تِلْكَ) أي : هذه الآيات العالية الشأن (آياتُ الْكِتابِ) أي : المنزل على قلبك الجامع لجميع المصالح الدنيوية والأخروية والإضافة بمعنى من (الْمُبِينِ) أي : المظهر الحق من الباطل.
(نَتْلُوا) أي : نقص قصا متتابعا متواليا بعضه في إثر بعض (عَلَيْكَ) بواسطة جبريل عليهالسلام (مِنْ نَبَإِ) أي : خبر (مُوسى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِ) أي : بالصدق الذي يطابقه الواقع.
تنبيه : يجوز أن يكون مفعول نتلو محذوفا دلت عليه صفته وهي من نبأ موسى ، تقديره نتلو عليك شيئا من نبأ موسى ، ويجوز أن تكون من مزيدة على رأي الأخفش أي : نتلو عليك نبأ موسى ، وبالحق يجوز أن يكون حالا من فاعل نتلو ومن مفعوله أي : نتلو عليك بعض خبرهما ملتبسين أو ملتبسا بالحق ، ثم نبه على أن هذا البيان كما سبق إنما ينفع أولي الإذعان بقوله تعالى : (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) فغيرهم لا ينتفع بذلك.
ولما كان كأنه قيل ما المقصود من هذا؟ قال : (إِنَّ فِرْعَوْنَ) ملك مصر الذي ادّعى الإلهية (عَلا) أي : بادعاء الإلهية وتجبره على عباد الله وقهره لهم (فِي الْأَرْضِ) أي : أرض مصر وإطلاقها يدل على تعظيمها وأنها كجميع الأرض لاشتمالها على ما قل أن يشتمل عليه غيرها (وَجَعَلَ) أي : بما جعلنا له من نفوذ الكلمة (أَهْلَها) أي : أهل الأرض المرادة (شِيَعاً) أي : فرقا تتبع كل فرقة شيئا يتبعونه على ما يريد ويطيعونه لا يملك أحد منهم أن يكون عتيقه ، أو أصنافا في استخدامه يسخر صنفا في بناء ، وصنفا في حفر ، وصنفا في حرث ، ومن لم يستعمله ضرب عليه الجزية ، أو فرقا مختلفة قد أغرى بينهم العداوة والبغضاء وهم بنو إسرائيل والقبط.
وقوله تعالى (يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ) يجوز فيه ثلاثة أوجه أن يكون حالا من فاعل جعل أي : جعلهم كذلك حالة كونه مستضعفا طائفة منهم ، وأن يكون صفة لشيعا وأن يكون استئنافا بيانا لحال الأهل الذين جعلهم فرقا وأصنافا وهم بنو إسرائيل الذين كانت حياة جميع أهل مصر على يدي واحد منهم وهو يوسف عليهالسلام وفعل معهم من الخير ما لم يفعله والد مع ولده ومع ذلك كافؤوه في أولاده وأولاد إخوته بأن استعبدوهم ثم ما كفاهم ذلك حتى ساؤهم على يدي العنيد سوء العذاب ، قال البقاعي : وهذا حال الغرباء بينهم قديما وحديثا ثم بين الاستضعاف بقوله تعالى (يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ) أي : عند الولادة وكّل بذلك أناسا ينظرون كلما ولدت امرأة ذكرا ذبحوه وسبب ذلك أن كاهنا قال له سيولد مولود في بني إسرائيل يذهب ملكك على يديه فولد تلك الليلة اثنا عشر غلاما فقتلهم ، وبقي هذا العذاب في بني إسرائيل سنين كثيرة وكان ذلك من غاية حمق فرعون فإنه إن صدق الكاهن لم يدفع القتل الكائن وإن كذب فما وجه القتل (وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ) أي : يريد حياة الإناث فلا يذبحهنّ ، وقال السدي : إنّ فرعون رأى في منامه نارا أقبلت من بيت المقدس إلى مصر فأحرقت القبط دون بني إسرائيل فسأل عن رؤياه فقيل له : يخرج من هذا البلد من بني إسرائيل رجل يكون هلاك مصر على يديه فأمر بقتل الذكور ، وقيل : إنّ الأنبياء عليهمالسلام الذين كانوا قبل موسى عليهالسلام بشروا بمجيئه فسمع فرعون ذلك فأمر بذبح بني إسرائيل.
(إِنَّهُ) أي : فرعون (كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) فلذلك اجترأ على قتل خلق كثير من أولاد الأنبياء