قبل فرعون في تطلب الولدان وغير ذلك من المخاوف ، فإن قيل ما الفرق بين الخوف والحزن؟.
أجيب : بأنّ الخوف غم يلحق الإنسان لمتوقع ، والحزن غم يلحقه لواقع ، وهو فراقه والأخطار به فنيهت عنهما جميعا وأومنت بالوحي لها ووعدت ما يسليها ويطمئن قلبها ويملؤها غبطة وسرورا وهو ردّه إليها كما قال تعالى : (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ) فأزال مقتضى الخوف والحزن ثم زادها بشرى وأيّ بشرى بقوله تعالى : (وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) أي : الذين هم خلاصة المخلوقين ، وروى عطاء والضحاك عن ابن عباس قال : «إنّ بني إسرائيل لما كثروا بمصر استطالوا على الناس وعملوا بالمعاصي ولم يأمروا بمعروف ولم ينهوا عن منكر فسلط الله عليهم القبط فأضعفوهم إلى أن أنجاهم الله تعالى على يد نبيه وكليمه».
قال ابن عباس : إنّ أم موسى لما تقاربت ولادتها وكانت قابلة من القوابل التي وكلهنّ فرعون بحبالى بني إسرائيل مصافية لأم موسى فلما ضربها الطلق أرسلت إليها فقالت قد نزل بي ما نزل فلينفعني حبك إياي اليوم قال فعالجت قبالها فلما أن وقع موسى عليهالسلام بالأرض هالها نور بين عيني موسى فارتعش كل مفصل منها ودخل حب موسى قلبها ، ثم قالت لها يا هذه ما جئت إليك حين دعوتني إلا ومن ورائي قتل مولودك ولكن وجدت لابنك هذا حبا شديدا ما وجدت حب شيء مثل حبه فاحفظي ابنك فإني أراه هو عدوّنا فلما خرجت القابلة من عندها أبصرها بعض العيون فجاؤوا إلى بابها ليدخلوا على أمّ موسى فقالت أخته : يا أماه هذا الحرس بالباب فلفت موسى في خرقة ووضعته في التنور وهو مسجور وطاش عقلها فلم تعقل ما تصنع قال فدخلوا فإذا التنور مسجور وأمّ موسى لم يتغير لها لون فقالوا ما أدخل عليك القابلة فقالت هي مصافية لي دخلت عليّ زائرة فخرجوا من عندها فرجع إليها عقلها فقالت لأخت موسى فأين الصبي قالت لا أدري فسمعت بكاء الصبي من التنور فانطلقت إليه وقد جعل الله تعالى النار عليه بردا وسلاما فاحتملته.
قال : ثم إنّ أمّ موسى لما رأت إلحاح فرعون في طلب الولدان خافت على ابنها فقذف الله تعالى في نفسها أن تتخذ له تابوتا صغيرا فقال لها النجار : ما تصنعين بهذا التابوت قالت : ابن لي أخبؤه في هذا التابوت وكرهت الكذب قال ولم تقل أخشى عليه كيد فرعون فلما اشترت التابوت وحملته وانطلقت ، انطلق النجار إلى الذباحين ليخبرهم بأمر موسى عليهالسلام فلما همّ بالكلام أمسك الله تعالى لسانه فلم يطق الكلام وجعل يشير بيديه فلم يدر ما يقول فلما أعياهم أمره قال كبيرهم اضربوه فضربوه وأخرجوه فلما أتى النجار إلى موضعه ردّ الله تعالى لسانه فتكلم فانطلق أيضا يريد الأمناء فأتاهم ليخبرهم فأخذ الله تعالى لسانه وبصره فلم يطق الكلام ولم يبصر شيئا فضربوه وأخرجوه فوقع في واد يهوي فيه فجعل لله عليه إن ردّ لسانه وبصره أن لا يدل عليه وأن يكون معه يحفظه حيثما كان فعرف الله تعالى منه الصدق فردّ عليه لسانه وبصره فخرّ لله ساجدا فقال يا رب دلني على هذا العبد الصالح فدل عليه فخرج من الوادي وآمن به وصدّقه وعلم أنّ ذلك من الله عزوجل.
وقال وهب بن منبه : لما حملت أم موسى بموسى كتمت أمرها عن جميع الناس فلم يطلع على حبلها أحد من خلق الله وذلك شيء ستره الله لما أراد أن يمنّ به على بني إسرائيل فلما كانت السنة التي يذبح فيها بعث فرعون القوابل وتقدّم إليهنّ وفتشن تفتيشا لم يفتش قبل ذلك وحملت أمّ موسى فلم تكبر بطنها ولم يتغير لونها ولم يظهر لبنها وكانت القوابل لا يتعرّضن لها فلما كانت