إليها ويجعله من المرسلين فجاءها الشيطان وقال : كرهت أن يقتل فرعون ولدك فيكون لك أجره وثوابه وتوليت أنت قتله فألقيتيه في البحر وأغرقتيه.
وقال الزمخشري : أي : صفرا من العقل والمعنى أنها حين سمعت بوقوعه في يد فرعون طار عقلها لما دهمها من فرط الجزع والدهش ونحوه قوله تعالى : (وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ) [إبراهيم : ٤٣] أي : جوف لا عقول فيها وذلك أنّ القلوب مراكز العقول ألا ترى إلى قوله تعالى : (فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها) [الحج : ٤٦].
وقوله تعالى : (إِنْ) هي المخففة من الثقيلة واسمها محذوف أي : إنها (كادَتْ) أي : قاربت (لَتُبْدِي) أي : يقع منها الإظهار لكل ما كان من أمره مصرّحة (بِهِ) أي : بأمر موسى عليهالسلام من أنه ولدها ، وقال عكرمة : عن ابن عباس كادت تقول وا إبناه ، وقال مقاتل لما رأت التابوت يرفعه موج ويضعه آخر خشيت عليه الغرق فكادت تصيح من شفقتها ، وقال الكلبي : كادت تظهر أنه ابنها حين سمعت الناس يقولون لموسى بعدما شب موسى بن فرعون فشق عليها فكادت تقول هو ابني ، وقيل إنّ الهاء عائدة إلى الوحي أي : كادت لتبدي بالوحي الذي أوحى الله تعالى إليها أن يردّه عليها وجواب. (لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا) محذوف أي : لا بدت به كقوله تعالى : (وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) [يوسف : ٢٤] والمعنى لو لا أن ربطنا (عَلى قَلْبِها) بالعصمة والصبر والتثبت وقوله تعالى (لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) متعلق بربطنا أي : من المصدقين بوعد الله تعالى وهو قوله تعالى : (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ).
ثم أخبر تعالى عن فعلها في تعرّف خبره بعد أن أخبر عن كتمها بقوله تعالى : (وَقالَتْ) أي : أمّه (لِأُخْتِهِ) أي : بعد أن أصبحت على تلك الحالة قد خفي عليها أمره (قُصِّيهِ) أي : اتبعي أثره وتشممي خبره برا وبحرا ففعلت (فَبَصُرَتْ) أي : أبصرت (بِهِ عَنْ جُنُبٍ) أي : مكان بعيد اختلاسا (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) جملة حالية ومتعلق الشعور محذوف أي : أنها أخته وأنها ترقبه بل هم في غاية الغفلة التي هي في غاية البعد عن رتبة الإلهية أو أنها تقصه ، أو أنه سيكون لهم عدوّا وحزنا.
ثم ذكر تعالى أخذ الأسباب في ردّه بقوله تعالى : (وَحَرَّمْنا) أي : منعنا بعظمتنا (عَلَيْهِ الْمَراضِعَ) جمع مرضعة وهي من تكترى للإرضاع من الأجانب أي : حكمنا بمنعه من الارتضاع منهنّ فاستعير التحريم للمنع لأنه منع فيه رحمة ، قال الرازي في اللوامع : تحريم منع لا تحريم شرع (مِنْ قَبْلُ) أي : من قبل أن تأمر أمّه أخته بما أمرتها به ، أو قبل قصها أثره أو قبل ولادته في حكمنا وقضائنا وهو أنه تعالى غير طبعه عن لبن سائر النساء فلذلك لم يرتضع أو أحدث في لبنهنّ طعما ينفر عنه طبعه أو وضع في لبن أمّه لذة تعوّد بها فكان يكره لبن غيرها ، فلما رأت أخت موسى التي أرسلتها أمّه في طلبه أنه لا يقبل ثدي امرأة وفي القصة أنّ موسى مكث ثمان ليال لا يقبل ثديا ويصيح فقالوا لها هل عندك مرضعة تدلينا عليها لعله يقبل ثديها ، قال ابن عباس : أنّ امرأة فرعون كان همها من الدنيا أن تجد له مرضعة فكلما أتوه بمرضعة لم يأخذ ثديها ، فدنت أخته منه بعد نظرها له (فَقالَتْ) لما رأتهم في غاية الاهتمام برضاعه (هَلْ) لكم حاجة في أني (أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ) ولم تقل على امرأة لتوسع دائرة النظر (يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ) أي : يأخذونه ويتولونه ويقومون بجميع مصالحه من الرضاع وغيره لأجلكم ثم أبعدت التهمة عن نفسها فقالت هي امرأة قتل ولدها