فينبغي الحذر منه (مُضِلٌ) لا يقود إلى خير أصلا (مُبِينٌ) أي : عداوته وإضلاله في غاية البيان ما في شيء منهما خفاء.
ولما لم يكن في قتله إلا الندم لعدم إذن خاص (قالَ رَبِ) أي : أيها المحسن إليّ (إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي) أي : بالإقدام على ما لم تأمرني به بالخصوص وإن كان مباحا (فَاغْفِرْ لِي) أي : امح هذه الهفوة عينها وأثرها (لِي) أي : لأجلي لا تؤاخذني (فَغَفَرَ) أي : أوقع المحو لذلك كما سأل إكراما (لَهُ إِنَّهُ هُوَ) أي : وحده (الْغَفُورُ) أي : البالغ في صفة الستر لكل من يريد (الرَّحِيمُ) أي : العظيم الرحمة بالإحسان بالتوفيق إلى الأفعال المرضية لمقام الإلهية ولأجل أن هذه صفته ردّه إلى فرعون وقومه حين أرسله إليهم فلم يقدروا على مؤاخذته بذلك بقصاص ولا غيره بعد أن نجا منهم قبل إرساله على غير قياس.
ثم شكر ربه على هذه النعمة التي أنعم بها عليه بأن (قالَ رَبِ) أي : أيها المحسن إليّ (بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَ) أي : بسبب إنعامك عليّ بالمغفرة (فَلَنْ أَكُونَ) أي : إن عصمتني (ظَهِيراً) أي : عونا وعشيرا وخليطا (لِلْمُجْرِمِينَ) قال ابن عباس : للكافرين وهو إما صحبة فرعون وانتظامه في جملته وتكسيره سواده حيث كان يركب بركوبه كالولد مع الوالد ، وكان يسمى ابن فرعون ، وإما مظاهرة من تؤل مظاهرته إلى الجرم والإثم كما في مظاهرة الإسرائيلي المؤدّية إلى القتل الذي لم يؤمر به وهذا نحو قوله تعالى : (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) [هود : ١١٣] وعن عطاء أن رجلا قال له إنّ أخي يضرب بقلمه ولا يعدو رزقه قال فمن الرأس يعني من يكتب له قال خالد بن عبد الله القسري قال فأين قول موسى وتلا هذه الآية.
وفي الحديث : «ينادي مناد يوم القيامة أين الظلمة وأشباه الظلمة حتى من لاق لهم دواة أو برى لهم قلما فيجمعون في تابوت من حديد فيرمي بهم في جهنم» (١) وقول ابن عباس يدل على أن الإسرائيلي الذي أعانه موسى عليهالسلام كان كافرا وهو قول مقاتل : وقال قتادة : أني لا أعين بعدها على خطيئة ، وقيل : بما أنعمت عليّ من القوة فلن أستعملها إلا في مظاهرة أوليائك وأهل طاعتك والإيمان بك ، قال ابن عباس : لم يستثن أي : لم يقل فلن أكون إن شاء الله تعالى فابتلي به في اليوم الثاني كما قال تعالى : (فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ) أي : التي قتل القتيل فيها (خائِفاً) أي : بسبب قتله له (يَتَرَقَّبُ) أي : ينتظر ما يناله من جهة القتيل ، قال البغويّ : والترقب انتظار المكروه ، وقال الكلبيّ : ينتظر متى يؤخذ به (فَإِذَا) أي : ففجأه (الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ) أي : طلب نصرته من شيعته (بِالْأَمْسِ) أي : اليوم الذي يلي يوم الاستصراخ (يَسْتَصْرِخُهُ) أي : يطلب أن يزيل ما يصرخ بسببه من الضر من قبطيّ آخر كان يظلمه ، فكأنه قيل : فما قال له موسى بعدما أوقعه فيما يكره فقيل (قالَ لَهُ) أي : لهذا المستصرخ (مُوسى إِنَّكَ لَغَوِيٌ) أي : صاحب ضلال بالغ (مُبِينٌ) أي : واضح الضلال غير خفيه لكون ما وقع بالأمس لم يكفك عن الخصومة لمن لا تطيقه وإن كنت مظلوما ثم دنا منهما لينصره.
(فَلَمَّا أَنْ أَرادَ) أي : شاء فإن مزيدة (أَنْ يَبْطِشَ) أي : موسى عليهالسلام (بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما) أي : لموسى والإسرائيلي لأنه لم يكن على دينهما ولأنّ القبط كانوا أعداء بني إسرائيل بأن يأخذه
__________________
(١) أخرجه ابن حبان في المجروحين ١ / ٢١٦ ، وابن حجر في لسان الميزان ٢ / ٤٣١.