ذلك بمحظور فلا يأباه الدين ، والناس مختلفون في ذلك بحسب المروءة وعادتهم فيها متباينة وأحوال العرب والبدو تباين أحوال العجم والحضر لا سيما إذا دعت إلى ذلك ضرورة.
(فَسَقى) أي : موسى عليهالسلام (لَهُما) والمفعول محذوف أي : غنمهما لما علم ضرورتهما انتهازا لفرصة الأجر وكرم الخلق في مساعدة الضعيف مع ما به من النصب والجوع وسقوط خف القدم ولكنه رحمهما وأغاثهما وكفاهما أمر السقي في مثل تلك الزحمة بقوّة قلبه وقوّة ساعده وما آتاه الله تعالى من الفضل في متانة الفطرة ورصانة الجبلة (ثُمَّ تَوَلَّى) أي : انصرف جاعلا ظهره يلي ما كان يليه وجهه (إِلَى الظِّلِ) أي : ظل سمرة فجلس في ظلها ليقيل ويستريح مقبلا على الخالق بعدما قضى من نصيحة الخلائق وهو جائع ، قال الضحاك : لبث سبعة أيام لم يذق طعاما إلا بقل الأرض (فَقالَ رَبِّ إِنِّي) وأكد الافتقار بالالصاق باللام دون إلى بقوله (لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ) قليل أو كثير غث أو سمين (فَقِيرٌ) أي : محتاج سائل.
تنبيه : (لِما أَنْزَلْتَ) متعلق بفقير قال الزمخشري عدّى فقير باللام لأنه ضمن معنى سائل وطالب ويحتمل إني فقير من الدنيا لأجل ما أنزلت إليّ من خير الدين وهو النجاة من الظالمين وليس في الشكوى إلى الغنى المطلق نقص ، قال ابن عباس سأل الله تعالى فلقة خبز يقيم بها صلبه ، وقال الباقر : لقد قالها وإنه لمحتاج إلى شق تمرة ، وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس : لقد قال موسى ذلك وهو أكرم خلقه عليه وإنه كان قد بلغ به من الضر أن اخضرّ بطنه من أكل البقل وضعف حتى لصق بطنه الشريف بظهره وإنما قال ذلك في نفسه مع ربه وهو اللائق به ، وقيل رفع به صوته لاستماع المرأتين وطلب الطعام وهذا لا يليق بموسى عليهالسلام فانظر إلى هذا النبيّ عليهالسلام وهو خلاصة ذلك الزمان ليكون لك في ذلك أسوة وتجعله إماما وقدوة وتقول ما لقي الأنبياء والصالحون من الضيق والأهوال في سجن الحياة الدنيا صونا لهم منها وإكراما من ربهم عنها رفعة لدرجاتهم واستهانة لها وإن ظنه الجاهل المغرور على غير ذلك وفي القصة ترغيب في الخير وحث على المعاونة على البرّ وبعث على بذل المعروف مع الجهد.
فلما رجعتا إلى أبيهما سريعا قبل الناس وأغنامهما حفل بطان قال لهما ما أعجلكما قالتا : وجدنا رجلا صالحا رحيما فسقى لنا أغنامنا فقال لإحداهما اذهبي فادعيه لي (فَجاءَتْهُ إِحْداهُما) ممتثلة أمر أبيها وقوله (تَمْشِي) حال ، وقوله (عَلَى اسْتِحْياءٍ) حال أخرى ، أي : مستحيية إما من جاءته وإما من تمشي قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه : ليست بسلفع من النساء خراجة ولاجة ولكن جاءته مستترة وضعت كمّ درعها على وجهها استحياء ثم استأنف الإخبار بما تشوّف إليه السامع بقوله تعالى : (قالَتْ) وأكدت إعلاما بما لأبيها من الرغبة إلى لقائه (إِنَّ أَبِي) وصورت حاله بالمضارع بقولها (يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ) أي : يعطيك مكافأة لك لأن المكافأة من شيم الكرام (أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا) أي : مواشينا ، قال ابن إسحاق : اسم الكبرى صفورا والصغرى لبنى ، وقيل ليا ، وقال غيره : صفرا وصفيرا ، وقال الضحاك : صافورا ، وقال الأكثرون : التي جاءت لموسى الكبرى ، وقال الكلبيّ هي الصغرى ، قال الرازي وليس في القرآن دلالة على شيء من هذه التفاصيل.
فإن قيل : في الآية إشكالات إحداها : كيف ساغ لموسى عليهالسلام أن يعمل بقول امرأة وأن يمشي