معها وهي أجنبية فإن ذلك يورث التهمة العظيمة وقال صلىاللهعليهوسلم : «اتقوا مواضع التهم» (١) ، وثانيها : أنه سقى أغنامهما تقرّبا إلى الله تعالى فكيف يليق به أخذ الأجرة عليه وذلك غير جائز في الشريعة ، وثالثها : أنه عرف فقرهما وفقر أبيهما وأنه عليهالسلام كان في نهاية القوّة بحيث يمكنه الكسب بأقل سعي فكيف يليق بمروءة مثله طلب الأجرة على ذلك القدر من الشيخ الفاني الفقير والمرأة الفقيرة ، ورابعها : كيف يليق بالنبيّ شعيب عليهالسلام أن يبعث ابنته الشابة إلى رجل شاب قبل العلم بكون الرجل عفيفا أو فاسقا؟.
أجيب عن الأوّل : بأن الخبر يعمل فيه بقول المرأة فإن الخبر يعمل فيه بقول الواحد حرّا كان أو عبدا ذكرا كان أو أنثى وهي ما كانت مخبرة إلا عن أبيها وأما المشي مع المرأة بعد الاحتياط والتورّع فلا بأس به ، وعن الثاني : بأن المرأة لما قالت ذلك لموسى عليهالسلام ما ذهب إليهم طلبا للأجرة بل للتبرّك بذلك الشيخ الكبير ، لما روي أنه لما دخل على شعيب عليهالسلام إذا هو بالعشاء مهيئا فقال اجلس يا شاب فتعش فقال موسى أعوذ بالله فقال شعيب ولم ذلك ألست بجائع قال بلى ولكن أخاف أن يكون هذا عوضا لما سقيت لهما وأنا من أهل بيت لا نطلب على عمل من أعمال الآخرة عوضا من الدنيا ، وفي رواية لا نبيع ديننا بدنيانا ولا نأخذ بالمعروف ثمنا ، فقال له شعيب لا والله يا شاب ولكنها عادتي وعادة آبائي نقري الضيف ونطعم الطعام فجلس موسى عليهالسلام فأكل ، وأيضا فليس بمنكر أن الجوع قد بلغ إلى حيث ما كان يطيق يحمله ففعل ذلك اضطرارا وهو الجواب عن الثالث فإن الضرورات تبيح المحظورات ، وعن الرابع : بأن شعيبا عليهالسلام كان يعلم طهارة ابنته وبرائتها إما بوحي أو بغيره فكان يأمن عليها قال عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه : فقام يمشي والجارية أمامه فهبت الريح فوصفت ردفها فكره موسى عليهالسلام أن يرى ذلك منها فقال لها امشي خلفي أو قال موسى أني من عنصر إبراهيم فكوني خلفي حتى لا يرفع الريح ثيابك فأرى ما لا يحلّ ، وفي رواية كوني خلفي ودليني على الطريق برمي الحصا لأن صوت المرأة عورة.
فإن قيل : لم خشى موسى عليهالسلام أن يكون ذلك أجرة له على عمله ولم يكره مع الخضر عليهالسلام ذلك حين قال لو شئت لتخذت عليه أجرا؟ أجيب : بأن أخذ الأجرة على الصدقة لا يجوز ، وأما الاستئجار ابتداء فغير مكروه (فَلَمَّا جاءَهُ) أي : موسى شعيبا (وَقَصَ) أي : موسى عليهالسلام (عَلَيْهِ) أي : شعيب عليهالسلام (الْقَصَصَ) أي : حدّثه حديثه مع فرعون وآله في كفرهم وطغيانهم وإذلالهم لعباد الله تعالى.
(تنبيه) : القصص مصدر كالعلل سمى به المقصوص ، قال الضحاك : قال له : من أنت يا عبد الله ، قال : أنا موسى بن عمران بن يصهر بن قاهت بن لاوي بن يعقوب عليهالسلام وذكر له جميع أمره من لدن ولادته وأمر القوابل والمراضع والقذف في اليم وقتل القبطي وأنهم يطلبونه ليقتلوه.
ثم إن شعيبا عليهالسلام أمنه بأن : (قالَ) له (لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) أي : فإن فرعون لا سلطان له بأرضنا ، فإن قيل : إن المفسرين قالوا : إن فرعون يوم ركب خلف موسى ركب في ألف ألف وستمائة ألف والملك الذي هذا شأنه كيف يعقل أن لا يكون في ملكه قرية على بعد
__________________
(١) أخرجه الزبيدي في إتحاف السادة المتقين ٧ / ٢٨٣ ، والعجلوني في كشف الخفاء ١ / ٤٥ ، والشوكاني في الفوائد المجموعة ٢٥١ ، والألباني في السلسلة الضعيفة ١١٣.