وعن مجاهد قال : دخل قوم مكة تجارا من الشام في الجاهلية فنزلوا ذا طوى فاختبزوا ملة لهم ولم يكن معهم إدام فرمى رجل منهم ظبية من ظباء الحرم وهي حولهم ترعى فقاموا إليها فسلخوها وطبخوها ليأتدموا بها فبينما قدرهم على النار يغلي لحمه إذ خرجت من تحت القدر عنق من النار عظيمة فأحرقت القوم جميعا ولم تحرق ثيابهم ولا أمتعتهم.
وعن أيوب بن موسى أنّ امرأة في الجاهلية كان معها ابن عمّ لها صغير فقالت له : يا بني إني أغيب عنك وإني أخاف أن يظلمك أحد فإن جاءك ظالم بعدي فإنّ لله بمكة بيتا سيمنعك فجاءه رجل فاسترقه فلما رأى الغلام البيت عرفه بالصفة فنزل يشتد حتى تعلق بالبيت فجاءه سيده فمدّ يده إليه ليأخذه فيبست يده فمدّ الأخرى فيبست فاستفتى فأفتي أن ينحر عن كل واحدة من يديه بدنة ففعل فأطلقت يداه وترك الغلام وخلى سبيله.
وعن أبي ربيع بن سالم الكلاعي أنّ رجلا من كنانة بن هذيل ظلم ابن عمّ له فخوّفه بالدعاء في الحرم فقال هذه ناقتي فلانة اركبها فاذهب إليه فاجتهد في الدعاء في الحرم فجاء في الحرم في الشهر الحرام فقال اللهمّ إني أدعوك جاهدا مضطرّا على ابن عمي فلان ترميه بداء لا دواء له ثم انصرف فوجد ابن عمه قد رمي في بطنه فصار مثل الزق فما زال ينتفخ حتى انشق.
وعن عمر رضي الله عنه أنه سأل رجلا من بني سليم عن ذهاب بصره فقال يا أمير المؤمنين كنا بني ضبعاء عشرة وكان لنا ابن عمّ فكنا نظلمه فكان يذكرنا الله والرحم فلما رأى أنا لا نكف عنه انتهى إلى الحرم في الأشهر الحرم فجعل يرفع يديه ويقول (١) :
لا همّ أدعوك دعاء جاهدا |
|
اقتل بني ضبعاء إلا واحدا |
ثم اضرب الرجل ودعه قاعدا |
|
أعمى إذا قيد يعيي القائدا |
قال فمات أخوتي التسعة في تسعة أشهر في كل شهر واحد وبقيت أنا فعميت ورماني الله عزوجل في رجلي فليس يلائمني قائد فقال عمر رضى الله تعالى عنه جعل الله هذا في الجاهلية إذ لا دين حرمة حرمها وشرفها ليرجع الناس عن انتهاك ما حرم مخافة تعجيل العقوبة فلما جاء الدين صار التوعد للساعة ويستجيب الله تعالى لمن يشاء فاتقوا الله وكونوا مع الصادقين وإنما أكثرت من هذه الحكايات ليكون الداخل للحرم على حذر فإنّ الله تعالى حماه ومكّن أهله في الحرم الذي أمنّه بحرمة البيت وأمن قطانه بحرمته وكانت العرب في الجاهلية حولهم يتغاورون ويتناجدون وهم آمنون في حرمهم لا يخافون وبحرمة البيت هم قارّون بواد غير ذي زرع والثمرات والأرزاق تجبى إليهم كما قال تعالى :
(يُجْبى) أي : يجمع ويحمل (إِلَيْهِ) أي : خاصة دون غيره من جزيرة العرب (ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ) من النبات الذي بأرض العرب من ثمر البلاد الحارة كالبسر والرطب والنبق ، والباردة كالعنب والتفاح والرمّان والخوخ ، فإذا خولهم الله تعالى ما خوّلهم من الأمن والرزق بحرمة البيت وحدها وهم كفرة عبدة أصنام فكيف يستقيم أن يعرّضهم للخوف والتخطف ويسلبهم الأمن إذا ضموا إلى حرمة البيت حرمة الإسلام وإسناد الأمن إلى أهل الحرم حقيقة وإلى الحرم مجاز.
تنبيه : معنى الكلية هنا الكثرة كقوله تعالى : (وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) [النمل : ٢٣] ولكن في
__________________
(١) الرجز لم أجده في المصادر والمراجع التي بين يدي.