(وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) أي : وليكون حالكم حال من يرجى منه الشكر لما يتجدد لكم من تقلبهما من النعم المتوالية التي لا يحصرها إلا خالقها ، وأما الآخرة فلما كانت غير مبنية على الأسباب وكانت الجنة لا تعب فيها بوجه كان لا حاجة فيها لليل.
(وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) تقريع بعد تقريع للإشعار بأنه لا شيء أجلب لغضب الله تعالى من الإشراك به كما أنه لا شيء أدخل في مرضاته من توحيده ، اللهمّ فكما أدخلتنا في أهل توحيدك فأدخلنا في الناجين من وعيدك ومتعنا بالنظر إلى وجهك الكريم يا أرحم الراحمين ، ويحتمل أن يكون الأوّل لتقرير فساد رأيهم والثاني لبيان أنه لم يكن عن سند وإنما كان محض تشهّ وهوى ، أو أنه ذكر الثاني كما قال الجلال المحلي ليبنى عليه.
(وَنَزَعْنا) أي : أخرجنا وأفردنا بقوّة وسطوة (مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً) أي : وهو رسولهم يشهد عليهم بما قالوه (فَقُلْنا) أي : فتسبب عن ذلك أن قلنا للأمم (هاتُوا بُرْهانَكُمْ) أي : دليلكم القطعي الذي فزعتم في الدنيا إليه وعوّلتم في شرككم عليه كما هو شأن ذوي العقول أنهم لا يبنون شيئا على غير أساس (فَعَلِمُوا) أي : بسبب هذا السؤال لمّا اضطروا ولم يجدوا لهم سندا (أَنَّ الْحَقَ) في الإلهية (لِلَّهِ) أي : الملك الذي له الأمر كله لا يشاركه فيه أحد (وَضَلَّ عَنْهُمْ) أي : غاب غيبة الضائع (ما كانُوا يَفْتَرُونَ) أي : يقولونه قول الكاذب المتعمد للكذب لكونه لا دليل عليه ولا شبهة للغلط فيه.
(إِنَّ قارُونَ) ويسمى في التوراة تورح (كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى) قال أكثر المفسرين كان ابن عمه لأنّ قارون بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب ، وموسى بن عمران بن قاهث بن لاوي وقال ابن إسحاق كان قارون عم موسى فكان أخا عمران وهما ابنا يصهر ولم يكن في بني إسرائيل اقرأ للتوراة من قارون ولكنه نافق كما نافق السامريّ وكان يسمى النور لحسن صورته.
وعن ابن عباس : كان ابن خالته (فَبَغى عَلَيْهِمْ) أي : تجاوز الحدّ في احتقارهم بما خوّلناه فيه ، قيل كان عاملا لفرعون على بني إسرائيل وكان يبغي عليهم ويظلمهم ، وقال قتادة : بغى عليهم بكثرة المال ولم يرع لهم حق الإيمان بل استخف بالفقراء.
وقال الضحاك : بغى عليهم بالشرك ، وقال شهر بن حوشب زاد في طول ثيابه شبرا ، روي عن ابن عباس أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جرّ ثوبه خيلاء» (١) ، وقال القفال : طلب الفضل عليهم وأن يكونوا تحت يده ، وقال ابن عباس : تكبر عليهم وتجبر ، وقال الكلبيّ : حسد هارون عليهالسلام على الحبورة.
روى أهل الأخبار : أن قارون كان أعلم بني إسرائيل بعد موسى وهارون وأجملهم وأغناهم وكان حسن الصوت فبغى وطغى وكان أوّل طغيانه وعصيانه أنّ الله تعالى أوحى إلى موسى أن يأمر قومه أن يعلقوا في أرديتهم خيوطا أربعة في كل طرف خيطا أخضر كلون السماء يذكرون إذا نظروا إليها السماء ويعلمون أني منزل منها كلامي فقال موسى : عليهالسلام يا رب افلا تأمرهم أن يجعلوا أرديتهم كلها خضرا فإنّ بني إسرائيل تحقر هذه الخيوط ، فقال الله تعالى : يا موسى إنّ الصغير من
__________________
(١) أخرجه البخاري في فضائل أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم حديث ٣٦٦٥ ، ومسلم في اللباس حديث ٢٠٨٥ ، والترمذي في اللباس حديث ١٧٣٠.