معينين وإنما تبعث الرسل إلى قوم محتاجين إلى الرسل فيرسل الله تعالى إليهم من يختاره ، غير أنّ قوم نوح وإبراهيم ولوط لم يكن لهم اسم خاصة ولا نسبة مخصوصة يعرفون بها فعرفوا بنبيهم عليهالسلام فقيل قوم نوح وقوم لوط فأمّا قوم شعيب وهود وصالح فكان لهم نسب معلوم اشتهروا به عند الناس فجرى الكلام على أصله قال تعالى : (وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً* وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً فَقالَ) أي : فتسبب عن إرساله وبعثه أن قال : (يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ) أي : الملك الأعلى وحده ولا تشركوا به شيئا فإنّ العبادة التي فيها شرك ظاهر أو خفي عدم لأنّ الله تعالى أغنى الشركاء فهو لا يقبل إلا ما كان له خالصا.
فإن قيل : لم يذكر عن لوط عليهالسلام أنه أمر قومه بالعبادة والتوحيد ، وذكر عن شعيب ذلك؟ أجيب : بأنّ لوطا كان من قوم إبراهيم وفي زمانه وكان إبراهيم سبقه بذلك واجتهد فيه حتى اشتهر الأمر بالتوحيد عند الخلق من إبراهيم فلم يحتج لوط إلى ذكره وإنما ذكر ما اختص به من المنع من الفاحشة وغيرها وإن كان هو أبدا يأمر بالتوحيد إذ ما من رسول إلا ويكون أكثر كلامه في التوحيد ، وأمّا شعيب فكان بعد انقراض ذلك الزمن وذلك القوم فكان هو أصلا في التوحيد فبدأ به.
ولما كان السياق لإقامة الأدلة على البعث الذي هو من مقاصد السورة قال : (وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ) أي : وافعلوا ما ترجون به العاقبة فأقيم المسبب مقام السبب ، أو أمروا بالرجاء والمراد اشتراط ما يسوّغه من الإيمان كما يؤمر الكافر بالشرعيات على إرادة الشرط ، وقيل : هو من الرجاء بمعنى الخوف (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ) حال كونكم (مُفْسِدِينَ) أي : متعمدين الفساد.
ولما تسبب عن هذا النصح وتعقبه تكذيبهم تسبب عنه وتعقبه إهلاكهم تحقيقا لأنّ أهل السيئآت لا يسبقوننا قال تعالى : (فَكَذَّبُوهُ) في ذلك ، فإن قيل ما حكاه الله تعالى عن شعيب أمر ونهي والأمر لا يكذب ولا يصدق فإنّ من قال لغيره : اعبد الله لا يقال له كذبت؟ أجيب : بأنّ شعيبا كان يقول الله واحد فاعبدوه ، والحشر كائن فارجوه ، والفساد محرّم فلا تقربوه ، وهذه فيها إخبارات فكذبوه فيما أخبر به (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) أي : الزلزلة الشديدة ، وعن الضحاك صيحة جبريل لأنّ القلوب رجفت بها (فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ) أي : في بلدهم أو دورهم فاكتفى بالواحد ولم يجمع لأمن اللبس (جاثِمِينَ) أي : باركين على الركب ميتين فإن قيل : قال تعالى في الأعراف وههنا : فأخذتهم الرجفة وقال في هود : فأخذتهم الصيحة والحكاية واحدة؟ أجيب : بأنه لا تعارض بينهما فإن الصيحة كانت سببا للرجفة لأنّ جبريل لما صاح تزلزلت الأرض من صيحته فرجفت قلوبهم ، والإضافة إلى السبب لا تنافي الإضافة إلى سبب السبب.
فإن قيل ما الحكمة في أنه تعالى إذا قال فأخذتهم الصيحة قال في ديارهم وحيث قال فأخذتهم الرجفة قال في دارهم؟ أجيب : بأنّ المراد من الدار هو الديار والإضافة إلى الجمع يجوز أن تكون بلفظ الجمع وأن تكون بلفظ الواحد إذا أمن اللبس كما مرّ ، وإنما اختلف اللفظ للطيفة وهي أنّ الرجفة هائلة في نفسها فلم تحتج إلى تهويلها ، وأمّا الصيحة فغير هائلة في نفسها لكن تلك الصيحة لما كانت عظيمة حتى أخذت الزلزلة في الأرض ذكر الديار بلفظ الجمع حتى تعلم هيئتها ، والرجفة بمعنى الزلزلة عظيمة عند كلامه فلم تحتج إلى معظم لأمرها.
ولما كان معنى ختام قصة مدين فأهلكناهم عطف على ذلك المعنى قوله تعالى : (وَعاداً) أي : وأهلكنا أيضا عادا (وَثَمُودَ) مع ما كانوا فيه من العتو والتكبر والعلوّ لأنّ من المقاصد