العظيمة الدلالة على اتباع بعض هذه الأمم بعضا في الخير والشرّ على نسق والجري بهم في إهلاك المكذبين وإنجاء المصدقين طبقا عن طبق ، وقرأ حمزة وحفص في الوصل وثمود بغير تنوين على تأويل القبيلة وفي الوقف بسكون الدال ، والباقون بالتنوين وفي الوقف بالألف (وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ) أي : ما حل بهم من مساكنهم أي : ما وصف من هلاكهم وما كانوا فيه من شدّة الأجسام وسفه الأحلام وعلوّ الاهتمام وتقرب الأذهان وعظم الشأن عند مروركم بتلك المساكن ونظركم إليها في ضربكم في التجارة إلى الشام فصرفوا في الإقبال على الاستمتاع بالعرض الفاني من هذه الدنيا فأملوا بعيدا وبنوا مشيدا ولم يغن عنهم شيء من ذلك شيئا من أمر الله (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ) البعيد من الرحمة ، المحترق باللعنة بقوّة احتياله ومحبوب ضلاله ومحاله (أَعْمالَهُمْ) أي : الفاسدة من الكفر والمعاصي فأقبلوا بكليتهم عليها (فَصَدَّهُمْ) أي : فتسبب عن ذلك صدّهم (عَنِ السَّبِيلِ) أي : منعهم عن سلوك الطريق الذي لا طريق إلا هو لكونه يوصل إلى النجاة ، وغيره يوصل إلى الهلاك.
ولما كان ذلك ربما ظنّ لفرط غباوتهم قال : (وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ) أي : معدودين بين الناس من البصراء العقلاء.
ولما كان فرعون ومن ذكر معه من العتوّ بمكان لا يخفى لما أوتوا من القوّة بالأموال والرجال قال : (وَقارُونَ) أي : وأهلكنا قارون وقومه لأنّ وقوعه في أسباب الهلاك أعجب لكونه من بني إسرائيل ولأنه ابتلي بالمال والعلم فكان ذلك سبب إعجابه فتكبر على موسى وهارون عليهماالسلام فكان ذلك سبب هلاكه (وَفِرْعَوْنَ وَهامانَ) وزيره الذي أوقد له على الطين فباع سعادته ليكونه ذنبا لغيره (وَلَقَدْ جاءَهُمْ) من قبل (مُوسى بِالْبَيِّناتِ) أي : بالحجج الظاهرات التي لم تدع لبسا (فَاسْتَكْبَرُوا) أي : طلبوا أن يكونوا أكبر من كل كبير بأن كانت أفعالهم أفعال من يطلب ذلك (فِي الْأَرْضِ) بعد مجيء موسى عليهالسلام إليهم أكثر مما كانوا قبله (وَما كانُوا سابِقِينَ) أي : فائتين بل أدركهم أمر الله ، من سبق طالبه إذا فاته.
(فَكُلًّا) أي : فتسبب عن تكذيبهم أنّ كلا (أَخَذْنا) أي : بما لنا من العظمة (بِذَنْبِهِ) أي : أخذ عقوبة ليعلم أنه لا أحد يعجزنا (فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً) أي : ريحا عاصفا فيها حصباء كقوم لوط وعاد (وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ) أي : التي تظهر شدتها الريح الحاملة لها الموافقة لقصدها فترجف لعظمتها الأرض كمدين وثمود (وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ) أي : غيبناه فيها كقارون وجماعته (وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا) بالغمر في الماء كقوم نوح وفرعون وقومه وعذاب قوم صالح المعدّ في الإغراق والمعدّ في الخسف فتارة يهلك بريح تقذف بالحجارة من السماء كقوم لوط أو من الأرض كعاد (وَما كانَ اللهُ) أي : الذي لا شيء من الجلال والكمال إلا له (لِيَظْلِمَهُمْ) أي : فيعذبهم بغير ذنب (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ) لا غيرها (يَظْلِمُونَ) بارتكاب المعاصي ولم يقبلوا النصح مع هجرهم ، ولا خافوا العقوبة على ضعفهم.
ولما بين تعالى أنه أهلك من أشرك عاجلا وعذب من كذب آجلا ولم ينفعه معبوده مثل تعالى اتخاذه ذلك معبودا باتخاذ العنكبوت بيتا فقال : (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا) أي : تكلفوا أن اتخذوا (مِنْ دُونِ اللهِ) أي : الذي لا كفء له فرضوا بالدون الذي لا ينفع ولا يضرّ عوضا عمن لا تكيفه الأوهام والظنون (أَوْلِياءَ) ينصرونهم بزعمهم من معبودات وغيرها في الضعف والوهن.