يَكْفُرُونَ (٦٧) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ (٦٨) وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (٦٩))
(وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ) نزلت في النضر بن الحارث حين قال : فأمطر علينا حجارة من السماء إن كنت من الصادقين ويجعلون تأخيره عنهم شبهة لهم فيما يزعمون من التكذيب (وَلَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّى) قد ضرب لوقت عذابهم فلا تقدّم فيه ولا تأخر (لَجاءَهُمُ الْعَذابُ) وقت استعجالهم لأنّ القدرة تامّة والعلم محيط (وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً) أي : فجأة في الدنيا كوقعة بدر أو الآخرة عند نزول الموت بهم (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) بل هم في غاية الغفلة عنه والاشتغال بما ينسيه.
ثم زاد في التعجب من جهلهم بقوله تعالى مبدلا : (يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ) أي : يطلبون منك إيقاعه بهم ناجزا ولو كان في غير وقته الأليق به ولو علموا ما هم صائرون إليه لتمنوا أنهم لم يخلقوا فضلا عن أن يستعجلوا ، ولأعملوا جميع جهدهم في الخلاص منه (وَإِنَّ جَهَنَّمَ) التي هي من عذاب الآخرة (لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ) أي : ستحيط بهم يوم يأتيهم العذاب أو هي كالمحيطة بهم الآن لإحاطة الكفر والمعاصي التي توجبها بهم ، وأتى بالظاهر موضع المضمر تنبيها على ما استحقوا به عذابها وتعميما لكل من اتصف به.
ثم ذكر تعالى كيفية إحاطة جهنم بقوله عزوجل : (يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ) أي : يلحقهم ويلصق بهم (مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) فعلم بذلك إحاطته من جميع الجوانب ، فإن قيل : لم خص الجانبين ولم يذكر اليمين والشمال وخلف وقدّام؟ أجيب : بأنّ المقصود ذكر ما تتميز به نار جهنم عن نار الدنيا ونار الدنيا تحيط بالجوانب الأربعة فإنّ من يدخلها تكون الشعلة قدّامه وخلفه ويمينه ويساره ، وأمّا النار من فوق فلا تنزل وإنما تصعد من أسفل في العادة وتحت الأقدام لا تبقى الشعلة بل تنطفئ الشعلة التي تحت القدم ونار جهنم تنزل من فوق ولا تنطفئ بالدوس موضع القدم.
فإن قيل : ما الحكمة في قوله تعالى : (مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) ولم يقل من فوق رؤوسهم ولا قال من فوقهم ومن تحتهم بل ذكر المضاف إليه عند ذكر تحت ولم يذكره عند ذكر فوق؟ أجيب : بأن نزول النار من فوق سواء كان من سمت الرأس أم من موضع آخر عجب لأنّ طبع النار الصعود إلى فوق فلهذا لم يخصه بالرؤوس ، وأمّا بقاء النار تحت القدم فهو عجب وإلا فمن جوانب القدم في الدنيا تكون الشعلة فذكر العجيب وهو ما تحت الأرجل حيث لم ينطفئ بالدوس ، وأمّا فوق فعلى الإطلاق وقوله تعالى ونقول قرأ نافع والكوفيون بالياء أي : الموكل بالعذاب من ملائكته بأمره ، والباقون بالنون أي : نأمر بالعذاب.
ولما بين عذاب أجسامهم بين عذاب أرواحهم وهو أن يقال لهم على سبيل التنكيل والإهانة (ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) جعل ذلك عين ما كانوا يعملون مبالغة بطريق اسم المسبب على السبب فإن عملهم كان سببا لعذابهم وهذا كثير في الاستعمال.
ولما ذكر تعالى حال المشركين على حدة وحال أهل الكتاب على حدة وجمعهما في الإنذار وجعلهما من أهل النار اشتدّ عنادهم وزاد فسادهم وسعوا في إيذاء المؤمنين ومنعهم من العبادة قال تعالى : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا) فشرفهم بالإضافة إليه (إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ) أي : في الذات والرزق