تراني أسود فقلبي أبيض ، وعن عكرمة قال : كان لقمان أهون مملوك على سيده وأوّل ما رؤي من حكمته أنه بينما هو مع مولاه إذ دخل المخرج وأطال فيه الجلوس فنادى لقمان أنّ طول الجلوس على الحاجة يسيح منه الكبد ويكون منه الباسور ويصعد الحرّ إلى الرأس فخرج وكتب حكمته على الحش. قال : وسكر مولاه فخاطر قوما على أن يشرب ماء بحيرة فلما أفاق عرف ما وقع منه فدعا لقمان فقال لمثل هذا كنت أخبؤك قال اجمعهم فلما اجتمعوا قال على أي. شيء خاطرتموه. قالوا : على أن يشرب ماء هذه البحيرة. قال : فإن لها موادّا فاحبسوا موادها عنه ، قال : وكيف نستطيع أن نحبس موادها. قال : فكيف يستطيع أن يشربها ولها مواد.
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن أبي مسلم الخولاني قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن لقمان كان عبدا كثير التفكر ، حسن الظنّ ، كثير الصمت ، أحب الله فأحبه الله فمنّ عليه بالحكمة نودي بالخلافة قبل داود فقيل له يا لقمان هل لك أن يجعلك الله خليفة في الأرض تحكم بين الناس. قال لقمان : إن أجبرني ربي قبلت فإني أعلم أنه إن فعل ذلك أعانني وعلمني وعصمني ، وإن خيرني اخترت العافية ولم أسأل البلاء فقالت الملائكة : يا لقمان لم؟ قال : لأنّ الحاكم بأشدّ المنازل وأكدرها يغشاه الظلم من كل مكان فيخذل أو يعان ، فإن أصاب فبالحري أن ينجو وإن أخطأ أخطأ طريق الجنة ، ومن يكن في الدنيا ذليلا فهو خير من أن يكون شريفا ضائعا ، ومن تخير الدنيا على الآخرة. نفته الدنيا ولا يصيب الآخرة. فعجبت الملائكة من حسن منطقه فنام نومة فأعطي الحكمة فانتبه وهو يتكلم بها ، ثم نودي داود بعده بالخلافة فقبلها ولم يشترط ما اشترط لقمان فوقع في الذي حكاه الله عنه فصفح الله تعالى عنه وتجاوز ، وكان لقمان يؤازره أي : يساعده بعلمه وحكمته فقال داود طوبى لك يا لقمان أوتيت الحكمة فصرفت عنك البلية وأوتي داود الخلافة فابتلى بالذنب والفتنة» (١).
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال : «خير الله تعالى لقمان بين الحكمة والنبوّة فاختار الحكمة فأتاه جبريل وهو نائم فذرّ عليه الحكمة فأصبح ينطق بها فقيل له : كيف اخترت الحكمة على النبوّة وقد خيرك ربك ؛ فقال إنه لو أرسل إلي بالنبوّة عزمة لرجوت فيها الفوز منه ولكنت أرجو أن أقوم بها ولكنه خيرني فخفت أن أضعف عن النبوّة فكانت الحكمة أحب إليّ» (٢). وروي أنه دخل على داود وهو يصنع الدروع وقد لبن الله له الحديد كالطين فأراد أن يسأله فأدركته الحكمة فسكت ، فلما أتمها لبسها وقال : نعم لبوس الحرب أنت. فقال : الصمت حكمة وقليل فاعله. فقال له داود لحق ما سميت حكيما ، وروي أنّ مولاه أمره بذبح شاة وبأن يخرج منها. طيب مضغتين فأخرج اللسان والقلب ثم أمره بمثل ذلك وأن يخرج أخبث مضغتين فأخرج اللسان والقلب فسأله عن ذلك فقال : هما أطيب ما فيها إذا طابا وأخبث ما فيها إذا خبثا ، وروي أنه لقيه رجل وهو يتكلم بالحكمة فقال ألست فلان الراعي فيم بلغت ما بلغت؟ قال : بصدق الحديث وأداء الأمانة وترك ما لا يعنيني ، وعن ابن المسيب أنه قال لأسود : لا تحزن فإنه كان من خير الناس ثلاثة من السودان بلال ومهجع مولى عمر ولقمان كان أسود نوبيا ذا مشافر ، وروي سادات السودان أربعة
__________________
(١) أخرجه السيوطي في الدر المنثور ٥ / ١٦١ ، والمتقي الهندي في كنز العمال ٣٧٨٦٥.
(٢) الحديث لم أجده بهذا اللفظ في كتب الحديث التي بين يدي.