لقمان الحبشي والنجاشي وبلال ومهجع.
وعن أبي هريرة أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «الحكمة عشرة أجزاء تسعة منها في العزلة وواحد في الصمت» (١) وقال لقمان : لا مال كصحة ولا نعيم كطيب نفس ، وقال ضرب الوالد لولده كالسماد للزرع ، ولما كانت الحكمة هي الإقبال على الله قال الله تعالى (أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ) أي : وقلنا له أن أشكر لله على ما أعطاك من الحكمة (وَمَنْ يَشْكُرْ) أي : يجدّد الشكر ويتعاهده بنفسه كائنا من كان (فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ) أي : لأنّ ثواب شكره له (وَمَنْ كَفَرَ) أي : النعمة (فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌ) عن الشكر وغيره (حَمِيدٌ) أي : له جميع المحامد وإن كفره جميع الخلق.
(وَ) اذكر (إِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَ) تصغير إشفاق ، وقرأ حفص بفتح الياء وسكنها ابن كثير ، وكسرها الباقون (لا تُشْرِكْ بِاللهِ) أي : الملك الأعظم (إِنَّ الشِّرْكَ) أي : بالله (لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) فرجع إليه وأسلم ثم قال له أيضا : يا بني اتخذ تقوى الله تعالى تجارة يأتيك الفرج من غير بضاعة ، يا بني احضر الجنائز ولا تحضر العرس ، فإنّ الجنائز تذكر الآخرة والعرس يشهيك الدنيا ، يا بني لا تأكل شبعا من شبع فإنك إن تلقيه للكلب خير من أن تأكله ، يا بني لا تكونن أعجز من هذا الديك الذي يصوّت بالأسحار وأنت النائم على فراشك ، يا بني لا تؤخر التوبة فإن الموت يأتي بغتة ، يا بنيّ لا ترغب في ودّ الجاهل فترى أنك ترضى عمله ، يا بنيّ اتق الله ولا تري الناس أنك تخشى ليكرموك بذلك وقلبك فاجر ، يا بني ما ندمت على الصمت قط فإنّ الكلام إذا كان من فضة كان السكوت من ذهب ، يا بني اعتزل الشر كيما يعتزلك فإنّ الشرّ للشرّ خلف ، يا بني إياك وشدّة الغضب فإنّ شدّة الغضب ممحقة لفؤاد الحكيم ، يا بني عليك بمجالس العلماء واستمع كلام الحكماء فإن الله تعالى يحيي القلب الميت بنور الحكمة كما يحيي الأرض بوابل المطر فإن من كذب ذهب ماء وجهه ومن ساء خلقه كثر غمه ، ونقل الصخور من مواضعها أيسر من إفهام من لا يفهم ، يا بني لا ترسل رسولا جاهلا فإن لم تجد حكيما فكن رسول نفسك ، يا بني لا تنكح أمة غيرك فتورث بنيك حزنا طويلا ، يا بني يأتي على الناس زمان لا تقرّ فيه عين حليم ، يا بني اختر المجالس على عينك فإذا رأيت المجلس يذكر فيه الله عزوجل فاجلس معهم فإنك إن تك عالما ينفعك علمك ، وإن تك غبيا يعلموك ، وإن يطلع الله عزوجل عليهم برحمة تصبك معهم ، يا بنيّ لا تجلس في المجلس الذي لا يذكر فيه الله تعالى فإنك إن تكن عالما لا ينفعك علمك ، وإن تكن غبيا يزيدوك غباوة وإن يطلع الله تعالى عليهم بعد ذلك بسخط يصبك معهم ، يا بني لا يأكل طعامك إلا الأتقياء وشاور في أمرك العلماء ، يا بني إنّ الدنيا أمر عميق وقد غرق فيها ناس كثير فاجعل سفينتك فيها تقوى الله وحشوها الإيمان بالله ، وشراعها التوكل على الله لعلك أن تنجو ولا أراك ناجيا ، يا بني إني حملت الجندل والحديد فلم أحمل شيئا أثقل من جار السوء ، وذقت المرارة كلها فلم أذق أشد من الفقر ، يا بني كن ممن لا يبتغي محمدة الناس ولا يكسب مذمتهم فنفسه عنهم في غنى والناس منه في راحة ، يا بني إنّ الحكمة أجلست المساكين مجالس الملوك ، يا بني جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك فإنّ الله ليحيي القلوب بنور الحكمة كما يحيي الأرض الميتة بوابل السماء ، يا بني لا تتعلم ما لا تعلم حتى تعمل بما تعلم ، يا بني إذا أردت أن تواخي رجلا فأغضبه
__________________
(١) أخرجه ابن عدي في الكامل في الضعفاء ٦ / ٢٤٣٤ ، والعجلوني في كشف الخفاء ١ / ٤٣٥.