نبيّ تجافى جنبه عن فراشه |
|
إذا استثقلت بالمشركين المضاجع |
والمضاجع : جمع المضجع وهو الموضع الذي يضجع عليه يعني الفراش وهم المتهجدون الذين يقيمون الصلاة. قال أنس : «نزلت فينا معاشر الأنصار كنا نصلي المغرب فلا نرجع إلى رحالنا حتى نصلي العشاء مع النبي صلىاللهعليهوسلم» (١) وعن أنس أيضا قال : «نزلت في أناس من أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم كانوا يصلون صلاة المغرب إلى صلاة العشاء» (٢) قال عطاء : هم الذين لا ينامون حتى يصلوا العشاء الآخرة والفجر في جماعة.
وعنه صلىاللهعليهوسلم : «من صلى العشاء في جماعة كان كقيام نصف ليلة ، ومن صلى الفجر في جماعة كان كقيام ليلة» (٣) وعن أنس كنا نجتنب الفرش قبل صلاة العشاء ، وعنه أيضا قال : «ما رأيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم راقدا قط قبل العشاء ولا متحدثا بعدها» (٤) فإن هذه الآية نزلت في ذلك ، وعن ابن عباس أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «هم الذين لا ينامون قبل العشاء فأثنى عليهم» (٥) فلما ذكر ذلك جعل الرجل يعتزل فراشه مخافة أن تغلبه عينه فوقه قبل أن ينام الصغير ويكسل الكبير.
وعن مالك بن دينار قال : سألت أنسا عن هذه الآية فقال : كان قوم من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم من المهاجرين الأولين يصلون المغرب ويصلون بعدها إلى العشاء الآخرة فنزلت هذه الآية فيهم ، وعن ابن أبي حازم قال : هي ما بين المغرب والعشاء صلاة الأوابين ، وعن معاذ ابن جبل عن النبي صلىاللهعليهوسلم في قوله تعالى : (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ) قال : قيام العبد من الليل ، وعن معاذ بن جبل أيضا قال : «كنت مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم في سفر فأصبحت يوما قريبا منه وهو يسير فقلت : يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار قال : لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه تعبد الله ولا تشرك به شيئا ، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت ثم قال : ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جنة ، والصدقة تطفئ الخطيئة ، وصلاة الرجل من جوف الليل ، ثم قرأ (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ) حتى بلغ (يَعْمَلُونَ) ثم قال : ألا أخبرك برأس الأمر وعموده ، وذروة سنامه الجهاد ، ثم قال : ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ لت : بلى يا نبي الله فأخذ بلسانه فقال : كف عنك هذا فقلت : يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به فقال : ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم» (٦).
وعن كعب قال : إذا حشر الناس نادى مناد : هذا يوم الفصل أين الذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع أين الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ثم يخرج عنق من نار فيقول : أمرت بثلاث : بمن جعل مع الله إلها آخر ، وبكل جبار عنيد ، وبكل معتد ، لأنا أعرف بالرجل من الوالد
__________________
(١) الحديث لم أجده بهذا اللفظ في كتب الحديث التي بين يدي.
(٢) أخرجه البغوي في تفسيره ٣ / ٥٩٧.
(٣) أخرجه مسلم في المساجد حديث ٦٥٦ ، وأبو داود في الصلاة حديث ٥٥٥.
(٤) أخرجه عبد الرزاق في المصنف ١ / ٥٦٢.
(٥) أخرجه السيوطي في الدر المنثور ٥ / ١٧٥.
(٦) أخرجه الترمذي في الإيمان حديث ٢٦١٦ ، وابن ماجه في الفتن حديث ٣٩٧٣.