خمس عشر ميلا وطوله في السماء سبعون ميلا ، في كل بيت سبعون ألف باب يدخل عليه في كل بيت من كل باب سبعون ألف خادم لا يراهم من في هذا البيت ولا يراهم من في هذا البيت ، فإذا خرج من قصره سار في ملكه مثل عمر الدنيا يسير في ملكه عن يمينه وعن يساره ومن ورائه ، وأزواجه معه وليس معه ذكر غيره ومن بين يديه ملائكة قد سخروا له وبين أزواجه ستر ، وبين يديه ستر ووصاف ووصائف قد أفهموا ما يشتهي وما تشتهي أزواجه ، ولا يموت هو ولا أزواجه ولا خدّامه أبدا ، نعيمهم يزداد كل يوم من غير أن يبلى الأول ، وقرة عين لا تنقطع أبدا ، لا يدخل عليه فيه روعة أبدا.
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «والذي نفسي بيده لو أن أحد أهل الجنة رجل أضاف آدم فمن دونه فوضع لهم طعاما وشرابا حتى خرجوا من عنده لا ينقصه ذلك شيئا مما أعطاه الله» (١) وعن سهل بن سعد قال : «بينما نحن عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو يصف الجنة حتى انتهى ثم قال : فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ثم قال : (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ)(٢) الآيتين قال القرطبي : إنهم أخفوا عملا وأخفى لهم ثوابا فقدموا على الله فقرت تلك الأعين ، وعن أبي اليمان قال : الجنة مائة درجة أولها درجة فضة وأرضها فضة ومساكنها فضة وآنيتها فضة وترابها المسك ، والثانية ذهب وأرضها ذهب ومساكنها ذهب وآنيتها ذهب وترابها المسك ، والثالثة لؤلؤ وأرضها لؤلؤ ومساكنها لؤلؤ وآنيتها لؤلؤ وترابها المسك وسبع وتسعون بعد ذلك ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، وتلا هذه الآية (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) الآية.
وعن المغيرة بن شعبة يرفعه إلى النبي صلىاللهعليهوسلم أن موسى عليهالسلام سأل ربه فقال : أي : رب ، أي : أهل الجنة أدنى منزلة؟ فقال : رجل يجيء بعدما دخل أهل الجنة الجنة فيقال له : ادخل فيقول كيف أدخل وقد نزلوا منازلهم وأخذوا أخذاتهم فيقال له : أترضى أن يكون لك مثل ما كان لملك من ملوك الدنيا فيقول : نعم أي : رب قد رضيت فيقال له : فإن لك هذا وعشرة أمثاله معه فيقول : قد رضيت أي رب فيقال له : فإن لك هذا وما اشتهت نفسك ولذت عينك فقال موسى : أي : رب فأي أهل الجنة أرفع منزلة؟ قال : إياها أردت وسأحدثك عنهم ، إني غرست كرامتهم بيدي ، وختمت عليها فلا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر قال : ومصداق ذلك في كتاب الله (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ).
ونزل في علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه والوليد بن عقبة بن أبي معيط أخي عثمان لأمه حين تنازعا فقال الوليد بن عقبة لعلي : اسكت فإنك صبي وأنا شيخ وأنا والله أبسط منك لسانا وأحد منك سنانا وأشجع جنانا وأملأ منك حشوا في الكتيبة ، فقال له علي اسكت فإنك فاسق.
(أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً) أي : راسخا في التصديق بجميع ما أخبرت به الرسل (كَمَنْ كانَ فاسِقاً) أي : راسخا في الفسق خارجا عن دائرة الإذعان وقال تعالى (لا يَسْتَوُونَ) ولم يقل تعالى لا يستويان ؛ لأنه لم يرد مؤمنا واحدا ولا فاسقا واحدا بل أراد جميع المؤمنين وجميع الفاسقين فلا
__________________
(١) أخرجه السيوطي في الدر المنثور ٦ / ١٧٢.
(٢) أخرجه مسلم في الجنة حديث ٢٨٢٥.