على الدعاء إلى الله تعالى وإن تمردوا فليس عليه إلا البلاغ ، وقرأ قالون وابن كثير وعاصم بإظهار الدال ، والباقون بالإدغام.
ثم قال تعالى : (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ) أي : الكافرين كان عاقبتهم العذاب وهذا خطاب وإن كان ظاهره مع النبي صلىاللهعليهوسلم إلا أن المقصود منه خطاب الكفار ؛ لأنهم سمعوا بالأخبار ما جرى على قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم من أنواع العذاب فإن لم يعلموا ذلك فلا أقل من ظن وخوفه يحتمل أن يكون زاجرا لهم عن كفرهم.
وقوله تعالى : (إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) استثناء من المنذرين استثناء منقطع ؛ لأنه وعيد وهم لا يدخلون في هذا الوعيد ، وقيل : استثناء من قوله تعالى (وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ) والمراد بالمخلصين : الموحدون نجوا من العذاب وتقدمت القراءة في المخلصين.
ثم شرع تعالى في تفصيل القصص بعد إجمالها بقوله تعالى : (وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ) أي : نادى ربه أن ينجيه مع من نجى من الغرق بقوله : (رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ) [القمر : ١٠] فأجاب الله تعالى دعاءه وقوله تعالى (فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ) جواب قسم مقدر أي : فو الله ومثله : لعمري لنعم السيدان وجدتما ، والمخصوص بالمدح محذوف أي : نحن أجبنا دعاءه وأهلكنا قومه.
(وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) أي : من الغرق وأذى قومه وهذه الإجابة كانت من النعم العظيمة وذلك من وجوه أولها : أنه تعالى عبر عن ذاته بصيغة الجمع فقال : (وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ) فالقادر العظيم لا يليق به إلا الإحسان العظيم.
وثانيها : أنه تعالى أعاد صيغة الجمع فقال تعالى (فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ) وفي ذلك أيضا ما يدل على تعظيم تلك النعمة لا سيما وقد وصف الله تعالى تلك الإجابة بأنها نعمت الإجابة.
وثالثها : أن الفاء في قوله تعالى (فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ) تدل على أن حصول تلك الإجابة مرتب على ذلك النداء وهذا يدل على أن النداء بالإخلاص سبب لحصول الإجابة.
وقوله تعالى : (وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ) يفيد الحصر ، وذلك يدل على أن كل من سواه وسوى ذريته قد فنوا فالناس كلهم من نسله عليهالسلام قال ابن عباس رضي الله عنه : ذريته بنوه الثلاثة سام وحام ويافث ، فسام أبو العرب وفارس وحام أبو السودان ويافث أبو الترك والخزرج ويأجوج ومأجوج وما هنا لك قال ابن عباس رضي الله عنهما : لما خرج نوح من السفينة مات كل من كان معه من الرجال والنساء إلا ولده ونساءهم.
(وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ) أي : أبقينا له ثناء حسنا وذكرا جميلا فيمن بعده من الأنبياء والأمم إلى يوم القيامة ، وقيل : أن نصلي عليه إلى يوم القيامة.
وقوله تعالى : (سَلامٌ عَلى نُوحٍ) مبتدأ وخبر وفيه أوجه أحدها : أنه مفسر لتركنا ، والثاني : أنه مفسر لمفعوله أي : تركنا عليه ثناء وهو هذا الكلام ، وقيل : ثم قول مقدر أي : فقلنا سلام وقيل : ضمن تركنا معنى قلنا ، وقيل : سلط تركنا على ما بعده (فِي الْعالَمِينَ) متعلق بالجار والمجرور ومعناه الدعاء بثبوت هذه التحية في الملائكة والثقلين جميعا.
وقوله تعالى : (إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) تعليل لما فعل بنوح عليهالسلام من التكرمة بأنه مجازاة له أي : إنما خصصناه بهذه التشريفات الرفيعة من جعل الدنيا مملوءة من ذريته ومن ترقية ذكره