الحسن في ألسنة العالمين لأجل كونه محسنا وقوله تعالى : (إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ) تعليل لإحسانه بالإيمان إظهارا لجلالة قدره وأصالة أمره (ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ) كفار قومه.
القصة الثانية : قصة إبراهيم عليهالسلام المذكورة في قوله تعالى : (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ) أي : ممن شايعه في الإيمان وأصول الشريعة (لَإِبْراهِيمَ) ولا يبعد اتفاق شرعهما في الفروع أو غالبا ، وقال الكلبي : الضمير يعود على محمد صلىاللهعليهوسلم أي : وإن من شيعة محمد صلىاللهعليهوسلم لإبراهيم عليه الصلاة السلام والشيعة قد تطلق على المتقدم كقول القائل (١) :
وما لي إلا آل أحمد شيعة |
|
وما لي إلا مذهب الحق مذهب» |
فجعل آل أحمد وهم متقدمون عليه وهو تابع لهم شيعة له قاله الفراء ، والمعروف أن الشيعة تكون في المتأخر قالوا : كان بين نوح وإبراهيم نبيان هود وصالح ، وروى الزمخشري : أنه كان بين نوح وإبراهيم ألفان وستمائة وأربعون سنة.
وفي العامل في قوله تعالى : (إِذْ جاءَ رَبَّهُ) وجهان أحدهما : اذكر مقدرا وهو المعروف ، والثاني : قال الزمخشري : ما في معنى الشيعة من معنى المشايعة يعني : وإن ممن شايعه على دينه وتقواه حين جاء ربه ورد هذا أبو حيان قال : لأن فيه الفصل بين العامل والمعمول بأجنبي وهو لإبراهيم ؛ لأنه أجنبي من شيعته ومن إذ ، واختلف في قوله عزوجل (بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) فقال مقاتل والكلبي : المعنى أنه سليم من الشرك ؛ لأنه أنكر على قومه الشرك ، وقال الأصوليون : معناه أنه عاش ومات على طهارة القلب من كل معصية.
وقوله تعالى :
(إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ) بدل من إذ الأولى أو ظرف لسليم أو لجاء وقوله تعالى لهم : (ما ذا) أي : ما الذي (تَعْبُدُونَ) استفهام توبيخ تهجين لتلك الطريقة تقبيحها وفي قوله : (أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللهِ تُرِيدُونَ) أوجه من الإعراب أحدها : أنه مفعول من أجله أي : أتريدون آلهة دون الله إفكا فآلهة مفعول به ودون ظرف لتريدون وقدمت معمولات الفعل اهتماما بها وحسنه كون العامل رأس فاصلة ، وقدم المفعول من أجله على المفعول به اهتماما به ؛ لأنه مكافح لهم بأنهم على إفك وباطل وبهذا الوجه بدأ الزمخشري ، الثاني : أن يكون مفعولا به بتريدون ويكون آلهة بدلا منه جعلها نفس الإفك مبالغة فأبدلها منه وفسره بها واقتصر على هذا ابن عطية ، الثالث : أنه حال من فاعل تريدون أي : أتريدون آلهة آفكين أو ذوي إفك ، وإليه نحا الزمخشري ، واعترضه أبو حيان بأن جعل المصدر حالا لا يطرد إلا مع نحو أما علما فعالم ، والإفك أسوأ الكذب.
(فَما ظَنُّكُمْ) أي : أتظنون (بِرَبِّ الْعالَمِينَ) أنه جوز جعل هذه الجمادات مشاركة له في العبودية أو تظنون برب العالمين أنه من جنس هذه الأجسام حتى جعلتموها مساوية له في العبودية فنبههم بذلك على أنه ليس كمثله شيء ، أو فما ظنكم برب العالمين إذا لقيتموه وقد عبدتم غيره أنه يترككم بلا عذاب لا ، وكانوا نجامين فخرجوا إلى عيد لهم وتركوا طعامهم عند أصنامهم زعموا
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو للكميت في شرح هاشيمات الكميت ص ٥٠ ، والإنصاف ص ٢٧٥ ، وتخليص الشواهد ص ٨٢ ، وخزانة الأدب ٤ / ٣١٤ ، والدرر ٣ / ١٦١ ، ولسان العرب (شعب) ، ويروى : «مشعب» بدل : «مذهب».