ونقل ابن عطية أن التقدير : فلما أسلما سلما وتله للجبين ويعزى هذا لسيبويه وشيخه الخليل.
الثاني : أنه وتله للجبين والواو زائدة ، وهو قول الكوفيين والأخفش ، الثالث : أنه وناديناه والواو زائدة أيضا واقتصر على هذا الجلال المحلي ، وروى أبو هريرة عن كعب الأحبار : أن إبراهيم عليهالسلام لما رأى ذبح ولده قال الشيطان : لئن لم أفتن آل إبراهيم عند هذا لم أفتن أحدا منهم أبدا فتمثل الشيطان في صورة رجل وأتى أم الغلام وقال : هل تدرين أين يذهب إبراهيم بابنك؟ قالت : ذهب به يحتطبان من هذا الشعب قال : والله ما ذهب به إلا ليذبحه ، قالت : كلا هو أرحم به وأشد حبا له من ذلك ، قال : إنه يزعم أن الله أمره بذلك ، قالت : فإن كان ربه أمره بذلك فقد أحسن أن يطيع ربه ، فخرج من عندها الشيطان ، ثم أدرك الابن وهو يمشي على إثر أبيه فقال له : يا غلام هل تدري أين يذهب بك أبوك؟ قال : نحتطب لأهلنا من هذا الشعب قال : والله ما يريد إلا أن يذبحك ، قال : ولم؟ قال : زعم أن ربه أمره ، قال : فليفعل ما أمره به ربه فسمع وطاعة ، فلما امتنع منه الغلام أقبل على إبراهيم فقال له : أين تريد أيها الشيخ؟ قال : أريد هذا الشعب لحاجة لي فيه ، قال : والله إني لأرى الشيطان قد جاءك في منامك فأمرك بذبح ولدك هذا ، فعرفه إبراهيم فقال : إليك عني يا عدو الله فو الله لأمضين لأمر ربي فرجع إبليس بغيظه لم يصب من إبراهيم وآله شيئا كما أراد الله عزوجل.
وروى أبو الطفيل عن ابن عباس رضي الله عنه : أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما أمر بذبح ابنه عرض له الشيطان بهذا المشعر فسابقه فسبقه إبراهيم ثم ذهب إلى جمرة العقبة ، فعرض له الشيطان فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ، ثم عرض له عند الجمرة الوسطى فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ، ثم أدركه عند الجمرة الكبرى فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ، ثم مضى إبراهيم لأمر الله تعالى فنودي من الجبل أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا.
فإن قيل : لم قال تعالى : (قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا) وكان قد رأى الذبح ولم يذبح؟ أجيب : بأنه جعله مصدقا لأنه قد أتى بما أمكنه والمطلوب استسلامهما لأمر الله تعالى وقد فعلا وقيل : كان قد رأى في النوم معالجة الذبح ولم ير إراقة الدم وقد فعل في اليقظة ما رآه في النوم ، ولذلك قال : (قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا) قال المحققون : السبب في هذا التكليف كمال طاعة إبراهيم لتكاليف الله تعالى فلما كلفه الله تعالى بهذه التكاليف الشاقة الشديدة وظهر منه كمال الطاعة والانقياد لا جرم قال الله تعالى : (قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا) وقوله تعالى : (إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) ابتداء إخبار من الله تعالى ، والمعنى : إنا كما عفونا عن ذبح ولدك كذلك نجزي من أحسن في طاعتنا ، قال مقاتل : جزاء الله تعالى بإحسانه في طاعته العفو عن ذبح ابنه.
(إِنَّ هذا) أي : الذبح المأمور به (لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ) أي : الاختبار الظاهر الذي يتميز فيه المخلصون من غيرهم ، والمحنة البينة الصعوبة التي لا محنة أصعب منها وقال مقاتل : البلاء ههنا النعمة وهو أن فدى ابنه بالكبش كما قال تعالى : (وَفَدَيْناهُ) أي : المأمور بذبحه وهو إسماعيل وهو الأظهر ، وقيل : إسحق (بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) أي : عظيم الجثة سمين أو عظيم القدر ؛ لأن الله تعالى فدى به نبيا ابن نبي وأي نبي من نسله سيد المرسلين عليه الصلاة والسلام ، وهو كبش أتى به جبريل عليهالسلام من الجنة وهو الذي قربه هابيل ، فقال لإبراهيم : هذا فدا ولدك فاذبحه دونه ، فكبر إبراهيم وكبر ولده ، وكبر جبريل وكبر الكبش وأخذ إبراهيم الكبش ، وأتى به المنحر من منى فذبحه ، قال