(أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ) أي : محمد صلىاللهعليهوسلم (الذِّكْرُ) أي : القرآن (مِنْ بَيْنِنا) وليس بأكبرنا ولا أشرفنا وهذا استفهام على سبيل الإنكار لاختصاصه عليه الصلاة والسلام بالوحي وهو مثلهم ، وفي ذلك دليل على أن مبدأ تكذيبهم لم يكن إلا الحسد وقصور النظر على الحطام الدنيوي ، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بتسهيل الهمزة الثانية كالواو ، وأدخل بينهما ألفا قالون وأبو عمرو بخلاف عن ورش وابن كثير بغير إدخال ، وعن هشام فيها ثلاثة أوجه : تحقيق الهمزتين ، وإدخال ألف بينهما ، وتحقيقهما من غير إدخال ألف بينهما ، قال الله تبارك وتعالى : (بَلْ هُمْ فِي شَكٍ) أي : تردد محيط بهم مبتدأ لهم (مِنْ ذِكْرِي) أي : وحيي وما أنزلت لميلهم إلى التقليد وإعراضهم عن الدليل الذي لو نظروا فيه لزال هذا الشك عنهم (بَلْ) أي : ليسوا في شك منه في نفس الأمر وإن كان قولهم قول من هو في شك (لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ) أي : الذي أعددته للمكذبين ولو ذاقوه لما قالوا هذا القول ولصدقوا النبي صلىاللهعليهوسلم فيما جاء به ولا ينفعهم التصديق حينئذ.
(أَمْ) أي : بل (عِنْدَهُمْ خَزائِنُ) أي : مفاتيح (رَحْمَةِ) أي : نعمة (رَبِّكَ) وهي النبوة يعطونها من شاؤوا ، ونظيره قوله تعالى (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ) [الزخرف : ٣٢] أي : نبوة ربك (الْعَزِيزِ) أي : الغالب الذي لا يغلبه أحد (الْوَهَّابِ) الذي له أن يهب كل ما يشاء من النبوة أو غيرها لمن يشاء من خلقه.
ولما كانت خزائن الله تعالى غير متناهية كما قال تعالى : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ) [الحجر : ٢١] ومن جملته السموات والأرض وما بينهما وهم عاجزون عن هذا القسم قال الله تعالى : (أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) أي : ليس لهم ذلك فلأن يكونوا عاجزين عن كل خزائن الله تعالى أولى ، وقوله تعالى : (فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ) جواب شرط محذوف أي : إن كان لهم ذلك فليصعدوا في المعارج التي يتوصل بها إلى العرش حتى يستووا عليه ويدبروا أمر العالم فينزلوا الوحي إلى من يريدونه وهذا غاية التهكم بهم والتعجيز أو التوبيخ ، قال مجاهد : أراد بالأسباب أبواب السماء وطرقها من سماء إلى سماء وكل ما يوصلك إلى شيء من باب أو طريق فهو سبب واستدل حكماء الإسلام بقوله تعالى : (فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ) على أن الأجرام الفلكية وما أودع الله تعالى فيها من القوى والخواص أسباب لحوادث العالم السفلي لأن الله تعالى سمى الفلكيات : أسبابا وهذا يدل على ذلك.
وقوله تعالى : (جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ) خبر مبتدأ مضمر أي : هم قريش جند من الكفار المتحزبين على الرسل عليهمالسلام ، مهزوم : مكسور عما قريب ، فمن أين لهم تدبير الإلهية والتصرف في الأمور الربانية ، فلا تكترث بما تقوله قريش ، قال قتادة : أخبر الله تعالى نبيه محمدا صلىاللهعليهوسلم وهو بمكة أنه سيهزم جند المشركين ، فقال تعالى : (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) [القمر : ٤٥] فجاء تأويلها يوم بدر وهنالك إشارة إلى بدر ومصارعهم ، وقيل : يوم الخندق ، قال الرازي : والأصح عندي حمله على يوم فتح مكة لأن المعنى أنهم جند سيصيرون مهزومين في الموضع الذي ذكروا فيه هذه الكلمات وذلك الموضع هو مكة فوجب أن يكون المراد أنهم سيصيرون مهزومين في مكة وما ذاك إلا في يوم الفتح.
تنبيه : في ما وجهان ، أحدهما : أنها مزيدة ، والثاني : أنها لجند على سبيل التعظيم للمهزومين وللتحقير ، فإن ما الصفة تستعمل لهذين المعنيين ، وقد تقدم الكلام عليها في أوائل