الملوك عند أبواب العلماء فأجاب بأن هذا أيضا يدل على فضيلة العلم لأن العلماء علموا ما في المال من المنافع فطلبوه ، والجهال لم يعرفوا ما في العلم من المنافع فلا جرم تركوه.
وقال في الكشاف : وأراد بالذين يعلمون العاملين من علماء الديانة كأنه جعل من لا يعمل غير عالم ، قال : وفيه ازدراء عظيم بالذين يقتنون العلوم ثم لا يقنتون ويفتنون ثم يفتنون بالدنيا فهم عند الله تعالى جهلة حيث جعل الله تعالى القانتين هم العلماء ، قال : ويجوز أن يراد على سبيل التشبيه أي : كما لا يستوي العالمون والجاهلون كذلك لا يستوي القانتون والعاصون ا. ه ، وعن الحسن : أنه سئل عن رجل يتمادى في المعاصي ويرجو فقال : هذا تمنّ ، وإنما الرجاء قوله تعالى وتلا هذه الآية. (إِنَّما يَتَذَكَّرُ) أي : يتعظ (أُولُوا الْأَلْبابِ) أي : أصحاب العقول الصافية والقلوب النيرة وهم الموصوفون في آخر سورة آل عمران بقوله تعالى : (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ) [آل عمران : ١٩١] إلى آخرها.
ولما نفى الله تعالى المساواة بين من يعلم وبين من لا يعلم أمر نبيه محمدا صلىاللهعليهوسلم بأن يخاطب المؤمنين فقال سبحانه : (قُلْ) أي : لهم (يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا) أي : أوجدوا هذه الحقيقة (اتَّقُوا رَبَّكُمْ) أي : بطاعته واجتناب معاصيه ثم بين تعالى لهم ما في هذا الاتقاء من الفوائد بقوله تعالى : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا) أي : بالطاعة (حَسَنَةٌ) أي : في الآخرة وهي الجنة والتنكير في حسنة للتعظيم أي : حسنة لا يصل العقل إلى كنه كمالها ، فقوله تعالى : (فِي هذِهِ الدُّنْيا) متعلق : بأحسنوا وقيل : متعلق «بحسنة» وعلى هذا قال السدي : معناه في هذه الدنيا حسنة يعني الصحة والعافية. قال الرازي : الأولى أن يحمل على الثلاثة المذكورة في قوله صلىاللهعليهوسلم : «ثلاثة ليس لها نهاية الأمن والصحة والكفاية» (١) ا ه ورد بأنه يتعين حمله على حسنة الآخرة لأن ذلك حاصل للكفار أكثر من حصوله للمؤمنين كما قال صلىاللهعليهوسلم : «الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر» (٢).
واختلف في معنى قوله تعالى : (وَأَرْضُ اللهِ) أي : الذي له الملك كله والعظمة الشاملة (واسِعَةٌ) فقال ابن عباس : يعني ارتحلوا من مكة وفيه حث على الهجرة من البلد الذي تظهر فيه المعاصي ونظيره قوله تعالى : (قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا) [النساء : ٩٧] وقيل : نزلت في مهاجري الحبشة. وقال سعيد بن جبير : من أمر بالمعاصي فليهرب ، وقال أبو مسلم : لا يمتنع أن يكون المراد من الأرض أرض الجنة كما قال تعالى : (وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) [آل عمران : ١٣٣] (إِنَّما يُوَفَّى) أي : التوفية العظيمة (الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ) أي : على الطاعات وما يبتلون به ، وقيل : نزلت في جعفر بن أبي طالب وأصحابه حيث لم يتركوا دينهم لما اشتد بهم البلاء وصبروا وهاجروا ومعنى (بِغَيْرِ حِسابٍ) أي : بغير نهاية بكيل أو وزن لأن كل شيء داخل تحت الحساب فهو متناه ، فما لا نهاية له كان خارجا عن الحساب. وعن ابن عباس : لا يهتدي إليه حساب الحسّاب ولا يعرف. وقال علي كرم الله وجهه ورضي الله تعالى عنه : كل مطيع يكال له كيلا أو يوزن له وزنا إلا الصابرين فإنه يحثى
__________________
(١) الحديث لم أجده بهذا اللفظ في كتب الحديث التي بين يدي.
(٢) أخرجه مسلم في الزهد حديث ٢٩٥٦ ، والترمذي في الزهد حديث ٢٣٢٤ ، وابن ماجه في الزهد حديث ٣١١٣ ، وأحمد في المسند ٢ / ١٩٧ ، والحاكم في المستدرك ٣ / ٦٠٤ ، ٤ / ٣١٥.