المغيرة المخزومي ، وقيل : في عتبة بن ربيعة وقيل : عام في كل كافر ، وهذا أمر تهديد وفيه إقناط للكافر من التمتع في الآخرة ولذلك علله بقوله تعالى : (إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ) أي : الذين لم يخلقوا إلا لها على سبيل الاستئناف للمبالغة قال تعالى (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) [الأعراف : ١٧٩] الآية.
ولما شرح الله تعالى صفات المشركين وتمسكهم بغير الله تعالى أردفه بشرح المخلصين فقال تعالى : (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ) أي : قائم بوظائف الطاعات (آناءَ اللَّيْلِ) أي : جميع ساعاته ومن إطلاق القنوت على القيام قوله صلىاللهعليهوسلم : «أفضل الصلاة صلاة القنوت» (١) وهو القيام فيها ومنه القنوت لأنه يدعو قائما ، وعن ابن عمر أنه قال : لا أعلم القنوت إلا قراءة القرآن وطول القيام وتلا (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ) وعن ابن عباس : القنوت الطاعة لقوله تعالى : (كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) [البقرة : ١١٦] أي : مطيعون ، وقرأ نافع وابن كثير وحمزة بتخفيف الميم والباقون بتشديدها وفي القراءة الأولى وجهان ؛ أحدهما : أن الهمزة همزة الاستفهام دخلت على من بمعنى الذي والاستفهام للتقرير ومقابله محذوف تقديره أمن هو قانت كمن جعل لله أندادا أو أمن هو قانت كغيره ، وأما القراءة الثانية : فأم داخلة على من الموصولة أيضا فأدغمت الميم في الميم وفي أم حينئذ قولان ؛ أحدهما : أنها متصلة ومعاد لها محذوف تقديره الكافر خير أم الذي هو قانت ، والثاني : أنها منقطعة فتقدر ببل والهمزة أي : بل أمن هو قانت كغيره أو كالكافر المقول له تمتع بكفرك وقوله تعالى (ساجِداً) أي : وراكعا (وَقائِماً) أي : وقاعدا في صلاته حالان من ضمير قانت.
تنبيه : في هذه الآية دلالة على أن قيام الليل أفضل من قيام النهار ، واختلف في سبب نزولها فقال ابن عباس : نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وقال الضحاك : في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، وقال أبو عمرو : في عثمان رضي الله تعالى عنه ، وقال الكلبي : في ابن مسعود وعمار وسلمان رضي الله تعالى عنهم.
وقوله تعالى : (يَحْذَرُ الْآخِرَةَ) أي : عذاب الآخرة يجوز أن يكون حالا من الضمير في ساجدا وقائما أو من الضمير في قانت وأن يكون مستأنفا جوابا لسؤال مقدر كأنه قيل : ما شأنه يقنت آناء الليل ويتعب نفسه ويكدها قيل : يحذر الآخرة (وَيَرْجُوا رَحْمَةَ) أي : جنة (رَبِّهِ) الذي لم يزل يتقلب في إنعامه وفي الكلام حذف والتقدير كمن لا يفعل شيئا من ذلك ، وإنما حسن هذا الحذف لدلالة ذكر الكافر قبل هذه الآية وذكر بعدها.
(قُلْ هَلْ يَسْتَوِي) أي : في الرتبة (الَّذِينَ يَعْلَمُونَ) أي : وهم الذين صفتهم أنهم يقنتون آناء الليل ساجدين وقائمين (وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) أي : وهم صفتهم عند البلاء والخوف يوحدون وعند الراحة والفراغ يشركون ، وإنما وصف الله تعالى الكفار بأنهم لا يعلمون لأن الله تعالى وإن أعطاهم آلة العلم إلا أنهم أعرضوا عن تحصيل العلم ، فلهذا جعلهم الله تعالى كأنهم ليسوا من أولي الألباب من حيث إنهم لم ينتفعوا بعقولهم وقلوبهم ، وفي هذا تنبيه على فضيلة العلم ، قيل : لبعض العلماء : إنكم تقولون : العلم أفضل من المال ثم نرى العلماء ، عند أبواب الملوك ولا نرى
__________________
(١) روي الحديث بلفظ : «أفضل الصلاة طول القنوت» أخرجه مسلم في المسافرين حديث ٧٥٦ ، والترمذي في الصلاة حديث ٣٨٧ ، وابن ماجه في الإقامة حديث ١٤٢١.