الله على النار» قال قتادة : هذا نعت أولياء الله تعالى نعتهم الله تعالى بأن تقشعر جلودهم وتطمئن قلوبهم بذكر الله ولم ينعتهم بذهاب عقولهم والغشيان عليهم وإنما ذلك في أهل البدع وهو من الشيطان.
وعن عبد الله بن عروة بن الزبير قال : قلت لجدتي أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنهما : كيف كان أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم يفعلون إذا قرئ عليهم القرآن؟ قالت : كانوا كما نعتهم الله تعالى تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم ، قال : قلت لها : إن ناسا اليوم إذا قرئ عليهم القرآن خر أحدهم مغشيا عليه ، قالت : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، وروي أن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما مر برجل من أهل العراق ساقط فقال : ما بال هذا؟ فقالوا : إنه إذا قرئ عليه القرآن أو سمع ذكر الله تعالى سقط فقال : إنا لنخشى الله تعالى وما نسقط. وقال ابن عمر : إن الشيطان يدخل في جوف أحدهم ، ما كان هذا صنيع أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم. وذكر عند ابن سيرين الذين يصرعون إذا قرئ عليهم القرآن ، فقال : بيننا وبينهم أن يقعد أحدهم على ظهر بيت باسطا رجليه ثم يقرأ عليه القرآن من أوله إلى آخره فإن رمى بنفسه فهو صادق.
فإن قيل : لم ذكرت الجلود وحدها أولا في جانب الخوف ثم قرنت بها القلوب ثانيا في الرجاء؟ أجيب : بأن الخشية التي محلها القلوب إذا ذكرت فقد ذكرت القلوب فكأنه قيل : تقشعر جلودهم من آيات الوعيد وتخشى قلوبهم في أول وهلة وإذا ذكر الله تعالى ومبنى أمره على الرأفة والرحمة استبدلوا بالخشية رجاء في قلوبهم وبالقشعريرة لينا في جلودهم.
فإن قيل : ما وجه تعدية تلين بإلى؟ أجيب : بأنه ضمن معنى فعل متعد بإلى كأنه قيل : سكنت أو اطمأنت إلى ذكر الله تعالى.
فإن قيل : كيف قال الله تعالى : (إِلى ذِكْرِ اللهِ) ولم يقل إلى رحمة الله؟ أجيب : بأن من أحب الله تعالى لأجل رحمته فهو ما أحب الله تعالى وإنما أحب شيئا غيره وأما من أحب الله تعالى لا لشيء سواه فهو المحب الحق وهي الدرجة العالية كما قال تعالى : (أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ذلِكَ) أي : القرآن الذي هو أحسن الحديث (هُدَى اللهِ) الذي له صفات الكمال (يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ) أي : وهو الذي شرح الله تعالى صدره أولا لقبول الهداية (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ) أي : يجعل قلبه قاسيا مظلما (فَما لَهُ مِنْ هادٍ) أي : يهديه. وقرأ ابن كثير في الوقف بإثبات الياء بعد الدال ، والباقون بغير الياء واتفقوا في الوصل على عدم الياء.
ولما حكم تعالى على القاسية قلوبهم بحكم في الدنيا وهو الضلال التام حكم عليهم في الآخرة بحكم آخر وهو العذاب الشديد فقال : (أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ) أي : شدة (الْعَذابِ) أي : يجعله وقاية يقي بها نفسه لأنه تكون يداه مغلولتين إلى عنقه (يَوْمَ الْقِيامَةِ) فلا يقدر أن يتقي إلا بوجهه ، وقال مجاهد : يجر على وجهه في النار. وقال عطاء : يرمى به في النار منكوسا فأول شيء يلقى في النار وجهه. وقيل : يلقى في النار مغلولة يداه إلى عنقه وفي عنقه صخرة عظيمة من كبريت مثل الجبل العظيم فتشتعل النار في تلك الصخرة وهي في عنقه ، فحرها ووهجها لا يطيق دفعها عنه للأغلال التي في يديه وعنقه. وقيل المراد بالوجه الجملة ، وقيل : نزلت في أبي جهل ومعنى الآية : أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب كمن أمن من العذاب بدخول الجنة فحذف الخبر كما حذف في نظائره ، (وَقِيلَ) أي : تقول الخزنة (لِلظَّالِمِينَ) أي : الكافرين ، وكان الأصل لهم