وعلى كل ما يريد كخلق الأكوان وما فيها الشامل لهم ولمعبوداتهم من الجمادات وغيرها الدال على أنه واحد لا شريك له ، فقال منكرا عليهم ومقررا بالوصف لأنهم كانوا عالمين بأصل الخلق : (قُلْ) يا أشرف الرسل لمن أنكر الخلق منكرا عليه بقولك : (أَإِنَّكُمْ) وأكد لإنكارهم التصريح بما يلزمهم من الكفر بقوله تعالى : (لَتَكْفُرُونَ) أي : توجدون حقيقة الستر لأنوار العقول الظاهرة (بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ) أي : على سعتها وعظمها من العدم (فِي يَوْمَيْنِ) فتنكرون قدرته على إعادة ما خلقه منها ابتداء مع اعترافكم بأنه ابتدأ خلقها وخلق ذلك منها وهذان اليومان الأحد والاثنين كما قاله ابن عباس وعبد الله بن سلام ، قال ابن الجوزي والأكثرون قال ابن عباس : إن الله خلق يوما فسماه الأحد ثم خلق ثانيا فسماه الاثنين ثم خلق ثالثا فسماه الثلاثاء ثم خلق رابعا فسماه الأربعاء ثم خلق خامسا فسماه الخميس ، فخلق الله الأرض في يوم الأحد والاثنين وخلق الجبال يوم الثلاثاء ولذلك يقول الناس إنه يوم ثقيل ، وخلق مواضع الأنهار والشجر والقرى يوم الأربعاء ، وخلق الطير والوحش والسباع والهوام والآفة يوم الخميس ، وخلق الإنسان يوم الجمعة وفرغ من الخلق يوم السبت ولكن ، في حديث مسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : «أخذ رسول الله صلىاللهعليهوسلم بيدي فقال : خلق الله التربة يوم السبت ، وخلق فيها الجبال يوم الأحد ، وخلق الشجر يوم الاثنين ، وخلق المكروه يوم الثلاثاء ، وخلق النور يوم الأربعاء ، وبث فيها الدواب يوم الخميس ، وخلق آدم بعد العصر من يوم الجمعة في آخر الخلق في آخر ساعة من النهار فيما بين العصر إلى الليل» (١) ، فإن قيل : الأيام إنما كانت بدوران الأفلاك وإنما كان ذلك بعد تمام الخلق بالفعل؟ أجيب : بأن المراد في مقدار يومين أو نوبتين ، خلق في كل نوبة ما خلق في أسرع ما يكون ، قال البيضاوي : ولعل المراد من الأرض ما في جهة السفل من الأجرام البسيطة ، ومن خلقها في يومين أنه خلق لها أصلا مشتركا ثم خلق لها صورا بها صارت أنواعها ، وكفرهم به إلحادهم في ذاته تعالى وصفاته ، وقرأ قالون وأبو عمرو وهشام بتسهيل الثانية بخلاف عن هشام وأدخلوا بين الهمزة المحققة والمسهلة ألفا ، وورش وابن كثير بتسهيل الثانية من غير إدخال ، والباقون بتحقيقهما من غير إدخال.
ولما ذكر كفرهم بالبعث وغيره عطف على تكفرون قوله تعالى : (وَتَجْعَلُونَ) أي : مع هذا الكفر (لَهُ أَنْداداً) من الخشب المنجور ومن الحجر المنحوت شركاء في المعبودية ولما بكّتهم على قبح معتقدهم عظّم ذلك بتعظيم شأنه سبحانه فقال تعالى : (ذلِكَ) أي : الإله العظيم (رَبُّ الْعالَمِينَ) أي : موجدهم ومربيهم وذلك يدل قطعا على جميع ما له من صفات الكمال.
ولما ذكر تعالى ما هم به مقرون من إبداعها أتبعه بثلاثة أنواع من الصنع العجيب والفعل البديع بعد ذلك :
فالأول : قوله تعالى : (وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ) أي : جبالا ثوابت ، وهو مستأنف ولا يجوز عطفه على صلة الموصول للفصل بينهما بأجنبي وهو قوله تعالى : (وَتَجْعَلُونَ) فإنه معطوف على لتكفرون كما مر ، فإن قيل : ما الفائدة في قوله تعالى : (مِنْ فَوْقِها) ولم يقتصر على قوله : (وَجَعَلَ
__________________
(١) أخرجه مسلم في القيامة حديث ٢٧٨٩ ، وأحمد في المسند ٢ / ٣٢٧ ، والبيهقي في السنن الكبرى ٩ / ٣ ، والحاكم في المستدرك ٢ / ٤٥٠ ، والسيوطي في الدر المنثور ١ / ٤٣ ، والقرطبي في تفسيره ٦ / ٣٨٤.