حدوث ذلك الشيء في الحال فقضاء الله تعالى بحدوث الأرض في يومين قد تقدم على إحداث السماء حينئذ يزول السؤال. (فَقالَ لَها) أي : السماء عقب الاستواء (وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا) أي : تعاليا وأقبلا منقادتين وقوله تعالى : (طَوْعاً أَوْ كَرْهاً) مصدران في موضع الحال أي : طائعتين أو كارهتين (قالَتا أَتَيْنا) أي : نحن وما فينا وما بيننا (طائِعِينَ) أي : أتينا على الطوع لا على الكره ، والغرض تصوير أثر قدرته في المقدورات لا غير من غير أن يحقق شيئا من الخطاب والجواب ، ونحو ذلك قول القائل : قال الجدار للوتد لم تشقني قال الوتد سل من يدقني ، فإن قيل : هلا قال طائعتين على اللفظ أو طائعات على المعنى لأنهما سموات وأرضون؟ أجيب : بأنه لما جعلهن مخاطبات ومجيبات ووصفهن بالطوع والكره قال : طائعين في موضع طائعات نحو قوله ساجدين.
تنبيه : جمع الأمر لهما في الإخبار لا يدل على جمعه في الزمان بل قد يكون القول لهما متعاقبا ، فإن قيل : إن الله تعالى أمر السماء والأرض فأطاعتا كما أن الله تعالى أنطق الجبال مع داود عليهالسلام فقال تعالى : (يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ) [سبأ : ١٠] وأنطق الأيدي والأرجل فقال تعالى : (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) [النور : ٢٤] وقوله تعالى : (وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ) [فصلت : ٢١] وإذا كان كذلك فكيف يستبعد أن يخلق الله تعالى في ذات السموات والأرض حياة وعقلا ثم يوجه الأمر والتكليف عليهما؟.
ووجه هذا بوجوه ؛ الأول : أن الأصل حمل اللفظ على ظاهره إلا أن يمنع منه مانع وههنا لا مانع ، الثاني : أنه تعالى جمعها جمع العقلاء فقال تعالى : (قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) الثالث : قوله تعالى : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها) [الأحزاب : ٧٢] وهذا يدل على كونها عارفة بالله تعالى عالمة بتوجه تكليف الله تعالى ، وأجاب الرازي عن هذا : بأن المراد من قوله تعالى : (ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً) الاتيان إلى الوجود والحدوث والحصول وعلى هذا التقدير ، فحال توجه هذا الأمر كانت السموات والأرض معدومة إذ لو كانت موجودة لم يجز ، فثبت أن حال توجه هذا الأمر كانت السموات والأرض معدومة وإذا كانت معدومة لم تكن عارفة ولا فاهمة للخطاب فلم يجز توجه الأمر إليها.
فإن قيل : روى مجاهد وطاوس عن ابن عباس أنه قال : قال الله للسموات والأرض : أخرجا ما فيكما من المنافع لمصالح العباد أما أنت يا سماء فاطلعي شمسك وقمرك ونجومك ، وأنت يا أرض فشقي أنهارك وأخرجي ثمارك ونباتك وقال لهما : افعلا ما أمرتكما طوعا وإلا ألجأتكما إلى ذلك حتى تفعلاه ، وعلى هذا لا يكون المراد من قوله (أَتَيْنا طائِعِينَ) حدوثهما في ذاتهما ، بل يصير المراد من هذا الأمر أن يظهر ما كان مودعا فيهما؟ أجيب : بأن هذا لم يثبت لأنه تعالى قال :
(فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَحِفْظاً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (١٢) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ (١٣) إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ قالُوا لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (١٤) فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (١٥) فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ (١٦) وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ