الْعَذابِ الْهُونِ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٧) وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (١٨) وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (١٩) حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٠))
(فَقَضاهُنَ) أي : خلقهن خلقا إبداعيا (سَبْعَ سَماواتٍ) وهذا يدل على أن حصول السماء إنما حصل بعد قوله ائتيا طوعا أو كرها.
تنبيه : الضمير للسماء على المعنى كما قال تعالى : (طائِعِينَ) ونحوه (أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ) [الحاقة : ٧] ويجوز أن يكون ضميرا مبهما مفسرا بسبع سموات ، وسبع سموات حال على الأول ، وتمييز على الثاني ، وقوله تعالى : (فِي يَوْمَيْنِ) قال أهل الأثر : إن الله تعالى خلق الأرض يوم الأحد والاثنين وخلق سائر ما في الأرض يوم الثلاثاء والأربعاء وخلق السموات وما فيها في يوم الخميس والجمعة وفرغ في آخر ساعة من يوم الجمعة فخلق آدم عليهالسلام وهي الساعة التي تقوم فيها القيامة ، ولذلك لم يقل هنا سواء ووافق هذا آيات خلق السموات والأرض في ستة أيام ، وعن ابن عباس رضي الله عنه : «أن اليهود أتت النبي صلىاللهعليهوسلم فسألته عن خلق السموات والأرض فقال : خلق الله الأرض يوم الأحد والاثنين ، وخلق الجبال وما فيهن من المنافع يوم الثلاثاء ، وخلق يوم الأربعاء الشجر والماء والمعايش والعمران والخراب فهذه أربعة ، وخلق يوم الخميس السماء ، وخلق يوم الجمعة النجوم والشمس والقمر والملائكة إلى ثلاث ساعات بقين منه فخلق في أول ساعة من هذه الثلاثة الآجال حتى يموت من مات ، وفي الثانية ألقى الآفة على كل شيء مما ينتفع به ، وفي الثالثة خلق آدم فأسكنه الجنة وأمر إبليس بالسجود له وأخرجه منها في آخر ساعة قالت اليهود : ثم ماذا يا محمد؟ قال : ثم استوى على العرش قالوا : قد أصبت لو أتممت قالوا : ثم استراح ، فغضب النبي صلىاللهعليهوسلم غضبا شديدا فنزل (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ (٣٨) فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ»)(١) [ق : ٣٨ ـ ٣٩] ، فإن قيل : اليوم عبارة عن النهار والليل وذلك إنما يحصل بطلوع الشمس وغروبها وقبل حدوث السموات والشمس والقمر كيف يعقل حصول اليوم؟.
أجيب : بأن معناه أنه مضى من المدة ما لو حصل هناك فلك وشمس لكان المقدار مقدار اليوم كما مر ، وقضاء الشيء إتمامه والفراغ منه قال ابن جرير : وإنما سمي الجمعة لأن الله تعالى جمع فيه خلق آدم وخلق السموات والأرض أي : فرغ من ذلك وأتمه (فَأَوْحى) أي : ألقى بطريق خفي وحكم بثبوت قوي (فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها) أي : الأمر الذي دبرها ودبر منافعها به على نظام محكم لا يختل وزمام مبرم لا ينحل ، وقال عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما : خلق في كل سماء خلقها من الملائكة وما فيها من البحار وجبال البرد وما لا يعلمه إلا الله تعالى. وقال السدي : يعني خلق فيها شمسها وقمرها ونجومها ولله في كل سماء بيت تحج إليه وتطوف به الملائكة كل واحد منها مقابل للكعبة بحيث لو وقعت منه حصاة لوقعت على الكعبة.
ولما عم خص التي تلينا إشارة إلى تشريفنا فقال تعالى صارفا القول إلى مظهر العظمة تنبيها على ما في هذه الآية من العظم (وَزَيَّنَّا) أي : بما لنا من العظمة (السَّماءَ الدُّنْيا) أي : القربى
__________________
(١) أخرجه السيوطي في الدر المنثور ٥ / ٣٦٠ ، والمتقي الهندي في كنز العمال ١٥١٢١ ، والطبري في تفسيره ٢٤ / ٦١ ، ٢٦ / ١١١.