إليكم لأجلكم (بِمَصابِيحَ) وهي النيرات التي خلقها الله في السموات وخص كل واحدة بضوء معين وسير معين وطبيعة معينة لا يعلمها إلا الله تعالى ولا ينافي كون الدنيا مزينة بذلك أن تكون النجوم في غيرها مما هو أعلى منها لأن السياق دل على أنها زينة.
وقوله تعالى : (وَحِفْظاً) في نصبه وجهان ؛ أحدهما : أنه منصوب على المصدر بفعل مقدر أي : وحفظناها بالثواقب من الكواكب حفظا ، والثاني : أنه مفعول من أجله على المعنى فإن التقدير : وخلقنا الكواكب زينة وحفظا قال أبو حيان : وهو تكلف وعدول عن السهل البين ، والمعنى : وحفظناها من الشياطين الذين يسترقون السمع بالشهب أو من الآفات (ذلِكَ) أي : الأمر الرفيع والشأن البديع (تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ) أي : الذي لا يغلبه شيء وهو يغلب كل شيء ، (الْعَلِيمِ) أي : المحيط علما بكل شيء فالعزيز إشارة إلى كمال القدرة والعليم إشارة إلى كمال العلم.
ولما كان المتمادي على إعراضه كأنه جدد إعراضا غير إعراضه الأول قال تعالى مفصلا بعد قوله تعالى (فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ) : (فَإِنْ أَعْرَضُوا) أي : استمروا على إعراضهم بعد هذا الشأن أو أعرض غيرهم عن قبول ما جئتهم به من الذكر بعد هذا البيان الواضح في هذه الآيات التي دلت على الوحدانية والعلم والقدرة وغيرها من صفات الكمال أتم دلالة (فَقُلْ) أي : لهم (أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً) أي : فحذرهم أن يصيبهم عذاب شديد الوقع كأنه صاعقة (مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ) وقال المبرد : الصاعقة المرة المهلكة لأي شيء كان والإنذار التخويف ، وإنما خص هاتين القبيلتين لأن قريشا كانوا يمرون على بلادهم.
ثم علل إيقاع ذلك بقوله تعالى : (إِذْ) يجوز أن يكون ظرفا لصاعقة وظرفيته لا تنافي عليته أي : حين (جاءَتْهُمُ) أي : عادا أو ثمود (الرُّسُلُ) لأن الزمان الطويل يجوز نسبة ما وقع في جزء منه إليه (مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ) أي : من قبلهم لأن نذير الأول نذير لكل من أتى بعده بأنه إن واقع ما واقعه أتاه ما عذب به (وَمِنْ خَلْفِهِمْ) وهم من أتى إليهم لأنهم لم يكونوا يعلمون إتيانهم فالخلف كناية عن الخفاء والقدام عن الجلاء وأنهم أتوهم من كل جانب واجتهدوا بهم فاعملوا فيهم كل حيلة فلم يروا منهم إلا العتو والإعراض.
كما حكى الله تعالى عن الشيطان (لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ) [الأعراف : ١٧] أي : لآتينهم من كل جهة ، عن الحسن : أنذروهم من وقائع الله تعالى فيمن قبلهم من الأمم وعذاب الآخرة لأنهم إذا حذروهم ذلك فقد جاؤوهم بالوعظ من جهة الزمن الماضي وما جرى فيه على الكفار ومن جهة المستقبل وما سيجري عليهم ، وأتوهم مقبلين عليهم ومدبرين عنهم ، وقرأ نافع وابن كثير وابن ذكوان وعاصم بإظهار الذال عند الجيم وأدغمها الباقون. أن أي : بأن لا تعبدوا إلا الله أي : الذي له صفات الكمال جميعا (قالُوا) أي : الكفار لرسلهم (لَوْ شاءَ رَبُّنا) الذي ربانا أحسن تربية أن يرسل إلينا رسولا (لَأَنْزَلَ) إلينا (مَلائِكَةً) فأرسلهم إلينا بما يريده منا لكنه لم يرسل ملائكة فلم يشأ أن يرسل رسولا (فَإِنَّا بِما) أي : بسبب ما (أُرْسِلْتُمْ بِهِ) أي : على زعمكم بأنكم رسل (كافِرُونَ) إذ أنتم بشر مثلنا لا فضل لكم علينا.
روي : «أن أبا جهل قال في ملأ قريش : التبس علينا أمر محمد فلو التمستم لنا رجلا عالما بالسحر والشعر والكهانة وكلمه ثم أتانا ببيان من أمره ، فقال عتبة بن ربيعة : والله لقد علمت الشعر