والسحر والكهانة وعلمت من ذلك علما وما يخفى علي ، فأتاه فقال له : يا محمد أنت خير أم هاشم ، أنت خير أم عبد المطلب ، أنت خير أم عبد الله ، فلم تشتم آلهتنا وتضلل آباءنا؟ فإن كنت تريد الرياسة عقدنا لك اللواء فكنت رئيسنا ، وإن كنت أردت الباء زوجناك عشر نسوة تختارهن من أي بنات قريش شئت ، وإن كنت تريد المال جمعنا لك ما تستعين به على ذلك ، ورسول الله صلىاللهعليهوسلم ساكت فلما فرغ قال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم أفرغت؟ قال : نعم قال : فاسمع ثم إن النبي صلىاللهعليهوسلم تعوذ ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم (حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ) إلى أن بلغ قوله تعالى (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ) فأمسك عتبة على فيه وناشده بالرحم إلا ما سكت ، ثم رجع إلى أهله ولم يخرج إلى قريش فلما احتبس عنهم قالوا : ما نرى عتبة إلا قد صبأ فانطلقوا إليه وقالوا : يا عتبة ما حبسك عنا إلا أنك قد صبأت إلى محمد وأعجبك طعامه ، فإن كان بك حاجة جمعنا لك من أموالنا ما يغنيك عن طعام محمد فغضب عتبة وأقسم لا يكلم محمدا أبدا ، وقال : والله لقد علمتم أني من أكثر قريش مالا ولكني أتيته وقصصت عليه القصة وجاءني بشيء والله ما هو شعر ولا كهانة ولا سحر وقرأ السورة إلى قوله تعالى (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ) فأمسكت بفيه وناشدته الرحم حتى سكت ، ولقد علمتم أن محمدا إذا قال شيئا لم يكذب فخفت أن ينزل عليكم العذاب» (١).
وفي رواية لمحمد بن كعب أنه قال : إني سمعت قرآنا والله ما سمعت بمثله قط ما هو شعر ولا سحر ولا كهانة يا معشر قريش أطيعوني ، خلوا بينكم وبين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه والله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ ، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم ، وإن يظفر على العرب فملكه ملككم وعزه عزكم وأنتم أسعد الناس به ، قالوا : سحرك والله يا أبا لوليد بلسانه قال : هذا رأي لكم فاصنعوا ما بدا لكم.
ولما جمعهم الله فيما اجتمعوا فيه حتى كأنهم تواصوا به ، فصّلهم وفصّل ما اختلفوا فيه فقال مسببا عما مضى من مقالاتهم : (فَأَمَّا عادٌ) أي : قوم هود عليهالسلام (فَاسْتَكْبَرُوا) أي : طلبوا الكبر وأوجدوه (فِي الْأَرْضِ) أي : كلها التي كانوا فيها بالفعل وغيرها بالقوة أو في الكل بالفعل لكونهم ملكوها كلها ، ثم بين كبرهم أنه (بِغَيْرِ الْحَقِ) أي : الذي لم يطابق الواقع ، ثم ذكر تعالى سبب الاستكبار بقوله تعالى : (وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) وذلك أن هودا عليهالسلام هددهم بالعذاب ، فقالوا : نحن نقدر على دفع العذاب بفضل قوتنا ، وكانوا ذوي أجسام طوال طول الطويل منهم أربعمائة ذراع كما سيأتي في سورة الفجر.
قال الله تعالى ردا عليهم : (أَوَلَمْ يَرَوْا) أي : يعلموا علما هو كالمشاهدة (أَنَّ اللهَ) أي : المحيط بكل شيء قدرة وعلما (الَّذِي خَلَقَهُمْ) ولم يكونوا شيئا (هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً) ومن علم أن غيره أقوى منه وكان عاقلا انقاد له فيما ينفعه ولا يضره ، وقوله تعالى : (وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ) أي : يعرفون أنها حق وينكرونها ، عطف على فاستكبروا.
(فَأَرْسَلْنا) أي : بسبب ذلك على ما لنا من العظمة (عَلَيْهِمْ رِيحاً) أي : عظيمة (صَرْصَراً)
__________________
(١) أخرجه بنحوه الزبيدي في إتحاف السادة المتقين ٧ / ١٩٧ ، والسيوطي في الدر المنثور ٥ / ٣٥٨ ، والمتقي الهندي في كنز العمال ٣٥٤٢٨ ، وابن كثير في البداية والنهاية ٣ / ٦٣.