فقال : «هل تدرون مم أضحك؟ قلنا : الله ورسوله أعلم ، قال : من مخاطبة العبد ربه فيقول يا رب ألم تجرني من الظلم فيقول : بلى قال فيقول فإني لا أجيز اليوم على نفسي إلا شاهدا مني قال فيقول : كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا وبالكرام الكاتبين عليك شهودا قال فيختم على فيه ويقال لأركانه انطقي فتنطق بأعماله ثم يخلي بينه وبين الكلام فيقول بعدا لكنّ وسحقا فعنكنّ كنت أناضل» (١).
(وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢١) وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ (٢٢) وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ (٢٣) فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ (٢٤) وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ (٢٥) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (٢٦) فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٧) ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللهِ النَّارُ لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (٢٨) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلاَّنا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ (٢٩))
(وَقالُوا) أي : الكفار الذين يحشرون إلى النار (لِجُلُودِهِمْ) مخاطبين لها مخاطبة العقلاء لما فعلت فعل العقلاء (لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا) مع أنا كنا نحاجج عنكم (قالُوا) مجيبين لهم معتذرين (أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ) أراد نطقه على وجه لم يقدر على التخلف عنه فليس بعجب من قدرة الله الذي له مجامع العز (وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) والعلم القطعي حاصل عندكم بأنكم كنتم عدما ثم نطفا لا تقبل النطق في مجاري العادات بوجه ، ثم طوركم في أدوار الأطوار كذلك إلى أن أوصلكم إلى حيز الإدراك فقسركم على النطق بحيث لو أردتم سلبه عن أنفسكم ما قدرتم (وَإِلَيْهِ) لا إلى غيره (تُرْجَعُونَ) فينبئكم بما كنتم تعملون.
تنبيه : اختلف في قوله تعالى : (وَهُوَ خَلَقَكُمْ) الآية فقيل : هو من كلام الجلود وقيل : هو من كلام الله تعالى كالذي بعده وموقعه تقريب ما قبله بأن القادر على إنشائكم ابتداء وعلى إعادتكم بعد الموت أحياء قادر على إنطاق جلودكم وأعضائكم.
(وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ) أي : عند ارتكابكم الفواحش خفية (أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ) وأكد بتكرير النافي فقال : (وَلا أَبْصارُكُمْ) جمع وأفرد لما مضى (وَلا جُلُودُكُمْ) والمعنى : أنكم تستترون بالحيطان والحجب عند ارتكاب الفواحش وما كان استتاركم ذلك خيفة أن تشهد عليكم جوارحكم لأنكم كنتم غير عالمين بشهادتها عليكم بل كنتم جاحدين بالبعث جهلا منكم (وَلكِنْ) إنما استتاركم لأنكم (ظَنَنْتُمْ) بسبب إنكار البعث جهلا منكم (أَنَّ اللهَ) الذي له جميع صفات الكمال (لا يَعْلَمُ) أي : في وقت من الأوقات (كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ) وهو الخفيات من أعمالكم.
روي عن ابن مسعود قال : «كنت مستترا بأستار الكعبة فدخل ثلاثة نفر ، ثقفيان وقرشي أو
__________________
(١) أخرجه مسلم في الزهد حديث ٢٩٦٩.