(أَعْجَمِيًّا) أي : لا يفصح (لَقالُوا) أي : هؤلاء المتعنتون (لَوْ لا) أي : هلا ولم لا (فُصِّلَتْ) أي : بينت (آياتُهُ) حتى نفهمها وقولهم : (أَعْجَمِيٌ) أي : أقرآن أعجمي (وَ) نبي (عَرَبِيٌ) استفهام إنكار منهم ، وقال مقاتل : «كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يدخل على يسار غلام عامر بن الحضرمي وكان يهوديا أعجميا يكنى أبا فكيهة فقال المشركون : إنما يعلمه يسار غلام عامر فضربه سيده وقال : إنك تعلم محمدا فقال : هو يعلمني فأنزل الله تعالى هذه الآية» (١). وقرأ قالون وأبو عمرو بتحقيق الهمزة الأولى وتسهيل الثانية وإدخال ألف بينهما ، وورش وابن كثير وابن ذكوان وحفص بتسهيل الثانية ولا إدخال ، وأسقط هشام الأولى والباقون بتحقيقهما.
وقوله تعالى لنبيه محمد صلىاللهعليهوسلم : (قُلْ هُوَ) أي : هذا القرآن (لِلَّذِينَ آمَنُوا) أي : أردنا وقوع الإيمان منهم (هُدىً) أي : بيان لكل مطلوب (وَشِفاءٌ) أي : لما في صدورهم من داء الكفر والهوى وقيل : من الأوجاع والأسقام متعلق كما قال الرازي بقولهم : (وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ) [فصلت : ٥] الآية كأنه تعالى يقول هذا الكلام أرسلته إليكم بلغتكم لا بلغة أجنبية عنكم ، فلا يمكنكم أن تقولوا قلوبنا في أكنة منه بسبب جهلنا هذه اللغة فكل من أعطاه الله تعالى طبعا مائلا إلى الحق وقلبا داعيا إلى الصدق فإن هذا القرآن يكون في حقه هدى وشفاء ، وأما من غرق في بحر الخذلان وشغف بمتابعة الشيطان فهو في ظلمة وعمى كما قال تعالى : (وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ) أي : ثقل فلا يسمعون سماعا ينفعهم (وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى) فلا يبصرون الداعي حق الإبصار ، ثم قال الرازي : وكل من أنصف علم أن التفسير على هذا الوجه الذي ذكرناه أولى مما ذكروه ، أي : أنه متعلق بما قبله لأن السورة تصير بذلك من أولها إلى آخرها كلاما واحدا منتظما مسوقا لغرض واحد انتهى.
ولما بين بهذا بعدهم عن عليائه وطردهم عن فنائه قال تعالى : (أُولئِكَ) أي : البعداء البغضاء مثالهم مثال من (يُنادَوْنَ) أي : يناديهم من يريد نداءهم غير الله تعالى (مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) أي : هم كالمنادي من مكان بعيد لا يسمع ولا يفهم ما ينادى به.
(وَلَقَدْ آتَيْنا) أي : على ما لنا من العظمة (مُوسَى الْكِتابَ) أي : التوراة (فَاخْتُلِفَ) أي : وقع الاختلاف (فِيهِ) وجه تعلقه بما قبله كأنه قيل : إنا لما آتينا موسى الكتاب فقبله بعضهم وهم أصحاب الهدى ورده بعضهم ، فكذلك آتيناك الكتاب فقبله بعضهم وهم أصحابك ورده آخرون وهم الذين يقولون قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ) أي : إرادة (سَبَقَتْ) في الأزل (مِنْ رَبِّكَ) أي : المحسن إليك بتأخير الحساب والجزاء للخلائق إلى يوم القيامة (لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) أي : في الدنيا فيما اختلفوا فيه من إنصاف المظلوم من ظالمه قال تعالى : (بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ) [القمر : ٤٦] (وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) [فاطر : ٤٥] (وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍ) أي : المكذبين محيط بهم (مِنْهُ) أي : القضاء يوم الفصل (مُرِيبٍ) أي : موقع في الريب وهو التهمة والاضطراب بحيث لا يقدرون على التخلص من دائرته أصلا.
ثم قال تعالى لنبيه صلىاللهعليهوسلم : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً) أي : كائنا من كان (فَلِنَفْسِهِ) أي : فنفع عمله لها لا لأحد يتعداها والنفس فقيرة إلى التزكية بالأعمال الصالحة لأنها محل النقائص فلذا عبر بها
__________________
(١) أخرجه القرطبي في تفسيره ١٠ / ٦٧٨.