(وَمَنْ أَساءَ) في عمله (فَعَلَيْها) أي : على نفسه خاصة ليس عليك منه شيء فخفف عن نفسك إعراضهم فإنهم إن آمنوا فنفع إيمانهم يعود إليهم ، وإن كفروا فضرر كفرهم يعود إليهم ، والله سبحانه وتعالى يوصل إلى كل أحد ما يليق به من الجزاء (وَما رَبُّكَ) أي : المحسن إليك بإرسالك لتتميم مكارم الأخلاق (بِظَلَّامٍ) أي : بذي ظلم (لِلْعَبِيدِ) أي : هذا الجنس فلا يتصور أن يقع ظلم لأحد منهم أصلا لأن له الغنى المطلق والحكمة البالغة.
(إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكائِي قالُوا آذَنَّاكَ ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ (٤٧) وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (٤٨) لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ (٤٩) وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ (٥٠) وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ (٥١) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (٥٢) سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٥٣) أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (٥٤))
(إِلَيْهِ) أي : المحسن إليك لا إلى غيره (يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ) أي : لا سبيل إلى معرفة وقت ذلك اليوم ولا يعلمه إلا الله ، وكذا العلم بحدوث الحوادث المستقبلة في أوقاتها المعينة ليس إلا عند الله ، ثم ذكر من أمثلة هذا الباب مثالين :
أحدهما : قوله تعالى : (وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ) أي : في وقت من الأوقات ، وقرأ نافع وابن عامر وحفص بألف بعد الراء جمعا ، والباقون بغير ألف إفرادا وقوله تعالى : (مِنْ أَكْمامِها) جمع كم وكمامة ، قال البقاعي تبعا للزمخشري : بالكسر فيهما وهو وعاء الطلع وكل ما غطى على وجه الإحاطة شيئا من شأنه أن يخرج فهو كم ، وقال الراغب : الكم ما يغطي البدن من القميص وما يغطي الثمرة وجمعه أكمام وهذا يدل على أنه مضموم الكاف أو جعله مشتركا بين كم القميص وكم الثمرة ، ولا خلاف في كم القميص أنه بالضم فيجوز أن يكون في وعاء الثمرة لغتان دون كم القميص جمعا بين القولين.
والمثال الثاني : قوله تعالى : (وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى) حملا ناقصا أو تاما ، وأكد النفي بإعادة النافي ليشهد كل على حياله (وَلا تَضَعُ) حملا حيا أو ميتا (إِلَّا) حال كونه متلبسا (بِعِلْمِهِ) ولا علم لأحد غيره بذلك ، ومن ادعى علما به فليخبر بأن ثمرة الحديقة الفلانية والبستان الفلاني والبلد الفلاني تخرج في الوقت الفلاني أو لا تخرج العام شيئا ، والمرأة الفلانية تحمل في الوقت الفلاني وتضع في وقت كذا أو لا تحمل العام شيئا ، ومن المعلوم أنه لا يحيط بهذا علما إلا الله تعالى.
فإن قيل : قد يقول الرجل الصالح من أصحاب الكشوف قولا فيصيب فيه وكذلك الكهان والمنجمون؟ أجيب : بأن أصحاب الكشوف إذا قالوا قولا فهو من إلهام الله تعالى واطلاعه إياهم عليه فكان من علمه الذي يرد إليه ، وأما الكهان والمنجمون فلا يمكنهم القطع والجزم في شيء مما يقولونه البتة وإنما غايتهم ادعاء ظن ضعيف قلما يصيب ، وعلم الله تعالى هو العلم اليقين المقطوع به الذي لا يشاركه فيه أحد جل ربنا وعلا (وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ) أي : المشركين بعد بعثهم من القبور