والنصارى الذين كانوا في عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وقيل : هم هذه الأمة الذين أورثوا القرآن. ولما نسخ كتابهم ما تقدمه كان غيرهم كأنه مات فورثوه كما قال تعالى : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا) [فاطر : ٣٢] فكان حالهم في تمكنهم من التصرف في الكتاب بالحفظ والفهم وعدم المنازعة في ادعائه حال الوارث والموروث منه (لَفِي شَكٍّ مِنْهُ) أي : من كتاب لا يعلمونه كما هو لا يؤمنون به حق الإيمان ، أو من القرآن فيقولون إنه سحر وشعر وكهانة ونحو ذلك ، وقيل : في شك من محمد صلىاللهعليهوسلم وجرى على ذلك الجلال المحلي (مُرِيبٍ) أي : موقع في التهمة.
(فَلِذلِكَ) أي : التوحيد (فَادْعُ) يا أشرف الخلق الناس (وَاسْتَقِمْ) أي : على الدعوة (كَما أُمِرْتَ) أي : أمرك الله تعالى (وَلا تَتَّبِعْ) أي : بعمل (أَهْواءَهُمْ) في شيء ما ، فإن الهوى لا يدعو إلى خير ، والمقصود من كل أحد أن يفعل ما أمر به (وَقُلْ) لجميع أهل الفرق وكل من يمكن له القول فإنك أرسلت إلى جميع الخلق (آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللهُ) أي : الذي له العظمة الكاملة (مِنْ كِتابٍ) أي : جميع الكتب المنزلة لا كالكفار الذين آمنوا ببعض وكفروا ببعض ، روي أن رجلا أتى عليا فقال : يا أمير المؤمنين ما الإيمان أو كيف الإيمان قال : الإيمان على أربع دعائم على الصبر واليقين والعدل والجهاد والصبر على أربع شعب : على الشوق والشفق والزهادة والترقب فمن اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات ومن أشفق من النار رجع عن المحرمات ومن زهد في الدنيا تهاون بالمصائب ومن ارتقب الموت سارع إلى الخيرات ، واليقين على أربع شعب : تبصرة الفطنة وتأويل الحكمة وموعظة العبرة وسنة الأولين ، فمن تبصر الفطنة تأول الحكمة ومن تأول الحكمة عرف العبرة ومن عرف العبرة عرف السنة ومن عرف السنة فكأنما كان في الأولين ، والعدل على أربع شعب : على غامض الفهم وزهرة الحلم وروضة العلم وعلم الحكم فمن فهم جمع العلم ومن علم لم يضل في الحكم ومن علم عرف شرائع الحلم ومن حلم لم يفرط أمره وعاش في الناس ، والجهاد على أربع شعب : على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصدق في المواطن وشنآن الفاسقين فمن أمر بالمعروف شد ظهره ، ومن نهى عن المنكر أرغم أنف المنافقين ، ومن صدق في المواطن قضى الذي عليه ومن شنئ الفاسقين غضب لله تعالى وغضب الله تعالى له ، فقام الرجل وقبل رأسه.
(وَأُمِرْتُ) أي : ممن له الأمر كله (لِأَعْدِلَ) أي : لأجل أن أعدل (بَيْنَكُمُ) أيها المفترقون في الأديان من العرب والعجم من الإنس والجن ، ثم علل ذلك بقوله (اللهُ) أي : الذي له الملك كله (رَبُّنا وَرَبُّكُمْ) أي : موجدنا ومتولي جميع أمورنا فلهذا أمرنا بالعدل على سبيل العموم لأن الكل عباده.
(لَنا أَعْمالُنا) خاصة بنا لا تعدونا إلى غيرنا (وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ) خاصة بكم لا تعدوكم إلى غيركم فكل مجازى بعمله (لا حُجَّةَ) أي : لا خصومة (بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ) وهذا قبل أن يؤمر بالجهاد كما قاله الجلال المحلي ، وقال ابن الخازن : هذه الآية منسوخة بآية القتال وكذا قال البغوي ، ولكن قال البيضاوي : وليس في الآية من يدل على متاركته رأسا حتى تكون منسوخة بآية القتال (اللهُ) أي : الذي هو أحكم الحاكمين (يَجْمَعُ بَيْنَنا) أي : في الميعاد لفصل القضاء (وَإِلَيْهِ) أي : لا إلى غيره (الْمَصِيرُ) أي : المرجع حسا ومعنى ، لتمام عزته وشمول عظمته.
(وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذابٌ