على قطع الإحسان (غَضَبٌ) أي : عقوبة تليق بحالهم المذموم ووصفهم المذموم ومنه الطرد فهم مطرودون عن بابه مبعدون عن جنابه مهانون بحجابه (وَلَهُمْ) مع ذلك (عَذابٌ شَدِيدٌ) في الآخرة لا تصلون إلى حقيقة وصفه.
(اللهُ) أي : الذي له جميع الملك (الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ) أي : جنس الكتاب (بِالْحَقِ) أي : متلبسا على أكمل الوجوه بالأمر الثابت الذي لا يبدل (وَالْمِيزانَ) أي : الشرع الذي توزن به الحقوق ويسوي بين الناس أو العدل ، قال مجاهد : سمي العدل ميزانا لأن الميزان آلة للإنصاف والتسوية ، وقال ابن عباس : أمر الله تعالى بالوفاء ونهى عن البخس فيجب على العاقل أن يجتهد في النظر والاستدلال ويترك طريقة أهل الجهل والتقليد.
ولما كان صلىاللهعليهوسلم يهددهم بيوم القيامة ولم يروا لذلك أثرا قالوا على سبيل السخرية : متى تقوم الساعة وليتها قامت حتى يظهر لنا الحق أهو الذي نحن عليه أم الذي عليه محمد وأصحابه؟ قال تعالى : (وَما يُدْرِيكَ) أي : يا أكمل الخلق (لَعَلَّ السَّاعَةَ) أي : التي يستعجلون بها (قَرِيبٌ) وذكر قريب وإن كان صفة لمؤنث لأن الساعة في معنى الوقت أو البعث ، أو على معنى النسب أي : ذات قرب ، أو على حذف مضاف أي : مجيء الساعة ، قال مكي : ولأن تأنيثها مجازي وهذا ممنوع إذ لا يجوز الشمس طالع ولا القدر فائر.
تنبيه : لعل معلق للفعل عن العمل أي : ما بعده سد مسد المفعولين.
ولما ذكر النبي صلىاللهعليهوسلم الساعة وعنده قوم من المشركين ، وقالوا مستهزئين : متى الساعة تقوم؟ نزل قوله تعالى : (يَسْتَعْجِلُ بِهَا) أي : يطلب أن تكون قبل الوقت المضروب لها (الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها) أي : لا يتجدد لهم ذلك أصلا وهم غير مشفقين ويظنون كذب القائل بها (وَالَّذِينَ آمَنُوا) وإن كانوا في أول درجات الإيمان (مُشْفِقُونَ) أي : خائفون خوفا عظيما (مِنْها) لأن الله تعالى هداهم بإيمانهم فصارت صدورهم معادن المعارف وقلوبهم منابع الأنوار ، فأيقنوا بما فيها من الأهوال الكبار فخافوا للطافتهم أن يكونوا مع صلاحهم من أهل النار (وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُ) إعلاما بأنهم على بصيرة من أمرها لا يستعجلون بها ، فالآية من الاحتباك ، ذكر الاستعجال أولا دليلا على حذف ضده ثانيا والإشفاق ثانيا دليلا على حذف ضده أولا.
فائدة : روي : «أن رجلا سأل النبي صلىاللهعليهوسلم بصوت جهوري في بعض أسفاره فناداه : يا محمد ، فقال له صلىاللهعليهوسلم نحوا من صوته : هاؤم فقال : متى الساعة؟ فقال له صلىاللهعليهوسلم : ويحك إنها كائنة فما أعددت لها ، فقال : حب الله تعالى وحب رسوله ، فقال : أنت مع من أحببت» (١). والغرض أنه لم يجبه عن وقت الساعة بل أمره بالاستعداد لها ومن أحب الله تعالى ورسوله فعل ما أمرا به واجتنب ما نهيا عنه ، فهي المحبة الكاملة نسأل الله الكريم من فضله أن يوفقنا وأحبابنا لطاعته واجتناب معاصيه (أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ) أي : يخاصمون ويجادلون (فِي السَّاعَةِ) أي : القيامة وما تحتوي عليه (لَفِي ضَلالٍ) أي : ذهاب حائد عن الحق (بَعِيدٍ) جدا عن الصواب فإن لها من الأدلة الظاهرة ما
__________________
(١) أخرجه البخاري في المناقب حديث ٣٦٨٨ ، ومسلم في البر حديث ٢٦٣٩ ، والترمذي في الزهد حديث ٢٣٨٥ ، وأحمد في المسند ٣ / ١٦٨ ، و ١٧٢ ، ١٧٣ ، ١٧٨ ، ١٩٨ ، ٢٠٢ ، ٢٠٧ ، ٢٠٨ ، ٢٢٨ ، ٢٥٥ ، ٢٧٦. ٢٨٨ ، ٥ / ١٦٦.