بطريق الفضل من الله تعالى لا بطريق الوجوب والاستحقاق.
وقوله تعالى : (ذلِكَ) أي : الجزاء العظيم من الجنة ونعيمها مبتدأ خبره (الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ) أي : الملك الأعظم والعائد وهو به محذوف تفخيما للمبشر به لأن السياق لتعظيمه بالإشارة ويجعلها بأداة البعد وبالوصف بالذي وذكر الاسم الأعظم والتعبير بلفظ العباد في قوله تعالى (عِبادَهُ) مع الإضافة إلى ضميره سبحانه.
ولما أشعر بصلاحهم بالإضافة نص عليه بقوله تعالى : (الَّذِينَ آمَنُوا) أي : صدقوا بالغيب (وَعَمِلُوا) تحقيقا لإيمانهم (الصَّالِحاتِ) قرأ نافع وابن عامر وعاصم بضم الياء وفتح الباء الموحدة وكسر الشين مشددة ، والباقون بفتح الياء وسكون الباء الموحدة وضم الشين مخففة من بشره.
ولما كان كأنه قيل : فما نطلب في هذه البشارة لأن الغالب أن المبشر وإن لم يسأل يعطى بشارته ، كما وقع لكعب لما أذن الله تعالى بتوبته ركض راكض على فرس وسعى ساع على رجليه فأوفى على جبل سلع ونادى : يا كعب بن مالك أبشر فقد تاب الله عليك فكان الصوت أسرع من الفرس ، فلما جاءه الذي سمع صوته خلع عليه ثوبيه وهو لا يملك يومئذ غيرهما واستعار له ثوبين قال الله تعالى لنبيه صلىاللهعليهوسلم : (قُلْ) أي : لمن توهم فيك ما جرت به عادة المبشرين (لا أَسْئَلُكُمْ) أي : الآن ولا في مستقبل الزمان (عَلَيْهِ) أي : البلاغ بشارة أو نذارة (أَجْراً) أي : وإن قل (إِلَّا) أي : لكن أسألكم (الْمَوَدَّةَ) أي : المحبة العظيمة الواسعة (فِي الْقُرْبى) أي : مظروفة فيها بحيث تكون القربى موضعا للمودة وظرفا لها لا يخرج شيء من محبتكم عنها.
تنبيه : في الآية ثلاثة أقوال ؛ أولها : قال الشعبي : أكثر الناس علينا في هذه الآية فكتبنا إلى ابن عباس نسأله عن ذلك فكتب ابن عباس : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان وسط النسب من قريش ليس بطن من بطونهم إلا وقد ولده ، وكان له فيهم قرابة فقال الله عزوجل (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً) على ما أدعوكم إليه إلا أن تودوا القربى ، أي : تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة والمعنى : أنكم قربى وأحق من أجابني وأطاعني فإذ قد أبيتم ذلك فاحفظوا حق القربى وصلوا رحمي ولا تؤذوني ، وإلى هذا ذهب مجاهد وقتادة وغيرهما.
ثانيها : روى الكلبي عن ابن عباس : «أن النبي صلىاللهعليهوسلم لما قدم المدينة كانت تنوبه نوائب وحقوق وليس في يده سعة» فقالت الأنصار : «إن هذا الرجل هداكم وهو ابن أخيكم وجاركم في بلدكم فاجمعوا له طائفة من أموالكم ففعلوا ثم أتوه بها فردها عليهم» ونزل قوله تعالى (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ) أي : على الإيمان أجرا إلا المودة في القربى أي : لا تؤذوا قرابتي وعترتي واحفظوني فيهم قاله سعيد بن جبير وعمرو بن شعيب.
ثالثها : قال الحسن : معناه إلا أن توادوا الله تعالى وتتقربوا إليه بالطاعة والعمل الصالح ، فالقربى على القول الأول : القرابة التي بمعنى الرحم وعلى الثاني : بمعنى الأقارب وعلى الثالث : فعلى بمعنى القرب والتقرب والزلفى ، فإن قيل : طلب الأجر على تبليغ الوحي لا يجوز لوجوه ؛ أحدها : أنه تعالى حكى عن أكثر الأنبياء التصريح بنفي طلب الأجر فقال تعالى في قصة نوح : (قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ) [الفرقان : ٥٧] الآية ، وكذا في قصة هود وصالح ولوط وشعيب عليهم الصلاة والسلام ، ورسولنا أفضل الأنبياء فأن لا يطلب الأجر على النبوة والرسالة أولى ، ثانيها : أنه