صلىاللهعليهوسلم صرح بنفي طلب الأجر فقال : (قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ) و (قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ) [سبأ : ٤٧] ثالثها : أن التبليغ كان واجبا عليه قال تعالى : (بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) [المائدة : ٦٧] الآية وطلب الأجر على أداء الواجب لا يليق بأقل الناس فضلا عن أعلم العلماء.
رابعها : أن النبوة أفضل من الحكمة وقال تعالى : (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) [البقرة : ٢٦٩] ووصف الدنيا بأنها متاع قليل قال تعالى (قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ) [النساء : ٧٧] فكيف يحسن بالعقل مقابلة أشرف الأنبياء بأخس الأشياء ، خامسها : أن طلب الأجر يوجب التهمة وذلك ينافي القطع بصحة النبوة ، فثبت بهذه الوجوه أنه لا يجوز من النبي صلىاللهعليهوسلم أن يطلب أجرا البتة على التبليغ والرسالة وههنا قد ذكر ما يجري مجرى طلب الأجر وهو المودة في القربى؟ أجيب : بأنه لا نزاع في أنه لا يجوز طلب الأجر على التبليغ وأما قوله تعالى : (إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) فالجواب عنه من وجهين ؛ الأول : أن هذا من باب قوله (١) :
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم |
|
بهن فلول من قراع الكتائب |
يعني : أني لا أطلب منكم إلا هذا وهذا في الحقيقة ليس أجرا لأن حصول المودة بين المسلمين أمر واجب قال تعالى : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) [التوبة : ٧١] وقال صلىاللهعليهوسلم : «المؤمنون كالبنيان يشد بعضه بعضا» (٢). والآيات والأخبار في هذا كثيرة ، وإذا كان حصول المودة بين المسلمين واجبا فحصولها في حق أشرف المرسلين أولى فقوله : (إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) تقديره : والمودة في القربى ليست أجرا ، فرجع الحاصل إلى أنه لا أجر البتة. الثاني : أن هذا استثناء منقطع كما مر تقديره في الآية وتم الكلام عند قوله (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً) ثم قال : (إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) أي : أذكركم قرابتي فيكم فكأنه في اللفظ أجر وليس بأجر واختلفوا في قرابته صلىاللهعليهوسلم فقيل : هم فاطمة وعلي وأبناؤهما ، وفيهم نزل (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) [الأحزاب : ٣٣] ، وروى زيد بن أرقم عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «إني تارك فيكم كتاب الله وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي» (٣). قيل لزيد بن أرقم فمن أهل بيتي؟ فقال : هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس. وروى ابن عمر عن أبي بكر رضي الله عنه قال : ارقبوا محمدا في أهل بيته وقيل : هم الذين تحرم عليهم الصدقة من أقاربه ويقسم فيهم الخمس وهم بنو هاشم وبنو المطلب الذين لم يفترقوا جاهلية ولا إسلاما ، وقيل : هذه الآية منسوخة وإليه ذهب الضحاك بن مزاحم والحسين بن الفضل ، قال البغوي : وهذا قول غير مرضي لأن مودة النبي صلىاللهعليهوسلم
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو للنابغة الذبياني في ديوانه ص ٤٤ ، والأزهية ص ١٨٠ ، وإصلاح المنطق ص ٢٤ ، وخزانة الأدب ٣ / ٣٢٧ ، ٣٣١ ، والدرر ٣ / ١٧٣ ، وشرح شواهد المغني ص ٣٤٩ ، والكتاب ٢ / ٣٢٦ ، وبلا نسبة في الصاحبي في فقه اللغة ص ٢٦٧ ، ولسان العرب (قرع) ، (فلل) ، ومغني اللبيب ص ١١٤.
(٢) أخرجه البخاري في الأدب حديث ٦٠٢٧ ، ومسلم في البر حديث ٢٥٨٥ ، والترمذي في البر حديث ١٩٢٨.
(٣) أخرجه مسلم في فضائل الصحابة حديث ٢٤٠٨ ، والدارمي في فضائل القرآن حديث ٣٣١٦ ، وأحمد في المسند ٣ / ١٧.