الروح والحركة ، ثانيها : أنه قد يضاف الفعل إلى جماعة وإن كان فاعله واحدا منهم ، ومنه قوله تعالى : (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) [الرحمن : ٢٢] ثالثها : قال ابن عادل : لا يبعد أن يقال : إنه تعالى خلق في السموات أنواعا من الحيوانات يمشون مشي الأناسي على الأرض.
وروى العباس رضي الله عنه أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «بين السماء السابعة والعرش بحر بين أسفله وأعلاه كما بين السماء والأرض ثم فوق ذلك ثمانية أوعال بين ركبهن وأظلافهن كما بين السماء والأرض ثم فوق ذلك العرش» (١) الحديث. (وَهُوَ) أي : لا غيره (عَلى جَمْعِهِمْ) أي : هذه الدواب من ذوي العقول وغيرهم للمحشر بعد تفريقهم بالقلوب والأبدان بالموت وغيره (إِذا) في وقت (يَشاءُ قَدِيرٌ) أي : بالغ القدرة كما كان بالغ القدرة عند الإيجاد من العدم يجمعهم في صعيد واحد يسمعهم الداعي وينقذهم البصر.
ثم خاطب المؤمنين بقوله تعالى : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ) أي : بلية وشدة (فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) أي : من الذنوب ، وقرأ نافع وابن عامر بغير فاء والباقون بالفاء لأن ما شرطية أو مضمنة معناه وأما من أسقطها فقد استغنى بما في الباء من معنى السببية ، فإن قيل : الكسب لا يكون باليد بل بالقدرة القائمة بها؟ أجيب : بأن المراد من لفظ اليد هنا القدرة وإذا كان هذا المجاز مشهورا مستعملا كان لفظ اليد في حق الله تعالى يجب حمله على القدرة تنزيها لله تبارك وتعالى عن الأعضاء ، واختلفوا فيما يحصل في الدنيا من الآلام والأسقام والقحط والغرق والمصائب هل هي عقوبات على ذنوب سلفت أولا ، فمنهم من أنكر ذلك لوجوه أولها قوله تعالى : (الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) [غافر : ١٧] بين تعالى أن ذلك إنما يحصل يوم القيامة وقال تعالى : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) [الفاتحة : ٤] أي : يوم الجزاء وأجمعوا أن المراد منه يوم القيامة ثانيها : مصائب الدنيا يشترك فيها الزنديق والصديق فيمتنع أن تكون عقوبة على الذنوب بل حصول المصائب للصالحين والمتقين أكثر منه للمذنبين ولهذا قال صلىاللهعليهوسلم : «خص البلاء بالأنبياء ثم الأولياء ثم الأمثل فالأمثل» (٢). ثالثها : أن الدنيا دار تكليف فلو حصل الجزاء فيها لكانت دار تكليف ودار جزاء معا وهو محال ، وقال آخرون : هذه المصائب قد تكون أجزية على ذنوب متقدمة لهذه الآية ، ولما روى الحسن قال : لما نزلت هذه الآية قال صلىاللهعليهوسلم : «والذي نفسي بيده ما من خدش عود ولا عثرة قدم ولا اختلاج عرق إلا بذنب وما يعفو الله أكثر» (٣). وقال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه : «ألا أخبركم بأفضل آية في كتاب الله تعالى حدثنا بها رسول الله صلىاللهعليهوسلم وما أصابكم من مصيبة الآية ، قال صلىاللهعليهوسلم : وسأفسرها لك يا علي ما أصابكم من مرض أو عقوبة أو بلاء في الدنيا فبما كسبت أيديكم والله سبحانه وتعالى اكرم من أن يثني عليكم العقوبة في الآخرة وما عفا الله عنه في الدنيا فإنه أحلم من أن يعود بعد عفوه» (٤) وتمسكوا أيضا بقوله تعالى : بعد هذه الآية (أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا) وذلك تصريح بأن ذلك الإهلاك بسبب كسبهم.
__________________
(١) الحديث لم أجده بهذا اللفظ في كتب الحديث التي بين يدي.
(٢) تقدم الحديث مع تخريجه.
(٣) أخرجه السيوطي في الدر المنثور ٦ / ٩ ، والمتقي الهندي في كنز العمال ٨٦٧٠.
(٤) أخرجه أحمد في المسند ١ / ٨٥.